التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٧٩
بعثه والناس ضلال في حيرة، وحاطبون 1 في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستنزلتهم الكبرياء 2، واستخفتهم 3 الجاهلية الجهلاء. حيارى في زلزال من الأمر وبلاء من الجهل، فبالغ (ص) في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة 4.
وقال في نص ثالث:
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور... والناس في فتن انجذم 5 فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري 6 اليقن، واختلف النجر 7 وتشتت الأمر، وضاق المخرج وعمي المصدر، فالهدى خامل والعمى شامل، عصي الرحمان ونصر الشيطان، وخذل الإيمان، فانهارت دعائمه، وتنكرت معالمه، ودرست سبله، وعفت شركه 8 أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه، ووردوا مناهله 9، بهم سارت أعلامه، وقام لواؤه، في فتن داستهم بأخفافها، ووطئتهم بأظلافها وقامت على سنابكها 10 فهم فيها تائهون...
حائرون... جاهلون... مفتونون... 11.
أشار الإمام في هذه النصوص إلى وجوه الفساد التي كان يعاني منها العالم عشية بعثة رسول الله (ص)، وهي وجوه الفساد الكبرى في كل عصر وفي كل أمة، فإصلاحها هو وظيفة النبوة في حركتها الصاعدة منذ بدأت في مستهل التاريخ البشري إلى أن ختمت بمحمد (ص).

(1) الحاطب هو الذي يجمع الحطب، يقال لمن يأخذ بالصواب والخطأ دون تمييز: حاطب ليل، شبه للفتنة بالليل الذي تلتبس فيه الأشياء لظلامه حيث أن الحق يلتبس فيها بالباطل.
(2) استزلتهم: أوقعتهم الكبرياء في الزلل والسقوط، يعني بذلك فساد حياتهم الاجتماعية.
(3) استخفتهم: جعلتهم طائشين مندفعين وراء شهواتهم الجسدية والنفسية دون كابح ورادع.
(4) نهج البلاغة، رقم الخطبة: 95.
(5) انجذم: انقطع.
(6) السارية: هي العمود، يدعم بها السقف، والجمع سوار.
(7) النجر: الأصل، ومثله: النجار.
(8) درست واندرست بمعنى زالت وانطمست. والشرك - بضم الراء - جمع شراك، وعفت شركه بمعنى انطمست.
(9) المناهل: جمع منهل، مورد النهر.
(10) الأخفاف جمع خف، وهو للبعير كالقدم للإنسان، والأظلاف جمع ظلف للبقر والشاء. والسنابك جمع سنبك: طرف الحافر.
(11) نهج البلاغة، رقم الخطبة: 2.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»