التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٨١
أثمر تحقيق هذا الهدف العظيم الذي هو وضع الإنسانية على طريق التكامل.
وربما كان هذا القول مثيرا للدهشة والتعجب، والتساؤل:
كيف حقق الأنبياء الكرام هدفهم هذا ولم يؤمن بهم إلا القليل، وأعرض عنهم أكثر الناس، بل حاربوهم ورفضوهم..؟
إن هدف النبوة قد تحقق في كل عصر، وعلى عهد كل نبي في صورتين:
إحداهما: فيمن آمن بالنبي وصدق به واتبع منهاجه، فالتزم في حياته العامة والخاصة بالعقيدة والشريعة اللتين اشتملت عليهما رسالته.
والصورة الأخرى: تتمثل في الجو الثقافي والروحي العام الذي اشاعته الرسالة النبوية في المجتمع نتيجة لتبليغ النبي وأتباعه، وللصراع الفكري والاجتماعي الذي ولدته الرسالة في المجتمع، فإن هذا المناخ الثقافي يترك آثاره بلا شك على المفاهيم والمؤسسات والقيم والقناعات التي تسود المجتمع، ويدفع بها نحو التغيير بصورة لا شعورية، فينتقل المجتمع إلى حالة أفضل في علاقاته وقيمه ومؤسساته وحوافز العمل فيه، وإن كان أكثر هذا المجتمع كافرا برسالة النبي.
ومن هنا كان الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين هم آباء الحضارة الإنسانية والمدنية الإنسانية. وما من خير بلغته وتمتعت به البشرية في عقولها وأذواقها وقيمها ومؤسساتها وحوافز العمل من أجل التقدم المادي عندها إلا وللأنبياء فيه فضل كبير، لأنهم - على مدى التاريخ - أشاعوا، بما بثوه من الوحي الإلهي في الناس، وحدة جديدة في كل مجتمع تنبث كالنور... كالعافية فيه فتضئ، بدرجات متفاوتة، مناطق الظلمة، وتلمس - بدرجات متفاوتة - مناطق البؤس والمرض فيه. وكان تأثير هذه الروح النبوية متفاوتا بنسبة مقاومة قوى الشر حين تعي درجة تأثير الخير النبوي، وبقاء هذا الخير حرا في التأثير حين تغفل قوى الشرعية أو ترى لنفسها مصلحة فيه.
وهكذا، فمن هذا المنظور نفهم أن كل نبي قد هدى الله به الناس من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة. فهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين آباء الإنسانية الكرام، وآباء الحضارة العظام.
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»