2 - وعي التاريخ من المؤكد أن الإنسان العربي الجاهلي - قبيل الاسلام - كان يعوزه الوعي التاريخي بالمعنى الذي عرفته الشعوب المتحضرة ذات الثقافة المدونة، وذات المؤسسات السياسية والإدارية الراسخة العريقة. هذا فضلا عن أن يكون الوعي التاريخي بالمعنى الذي عرفه إنسان العصور الحديثة قد وجد لدى الإنسان العربي الجاهلي قبيل الإسلام.
وهذا الحكم ينطبق بوجه خاص على عرب الشمال، وإن لم يكن عرب الجنوب - كما سنرى - أفضل حالا منهم بكثير.
فقد كان العربي الجاهلي - قبيل الاسلام - يعيش حياة البداوة بما يلزمها من تنقل وارتحال طلبا للكلأ وللماء، ومن ثم لم يكن لدى العربي مؤسسات ثابتة، ونظم سياسية وإدارية.
وكانت الأمية غالبة على هذا المجتمع، ومن ثم فلم ينشئ ثقافة مدونة بأي نحو من الأنحاء إلا نقوشا نادرة لا تبلغ أن تكون ثقافة مدونة تسهم في تكوين الشخصية الثقافية للإنسان - لا نستثني من ذلك عرب الجنوب الذين كانوا قد فقدوا قبيل الإسلام - بانهيار نظام الري عندهم - الكثير من سماتهم كشعب متحضر له ماض عريق، وغدوا أقرب إلى البداوة والأمية.
وكانت الحياة من البساطة والسذاجة بحيث أن أحداثها البارزة كانت نادرة جدا، ومحدودة المدى جغرافيا وبشريا، وهذه الأحداث هي التي شكلت مادة ما يسمى أيام العرب التي سنعرض للحديث عنها بعد قليل.
كما لم يكن لدى العربي الجاهلي شعور بالزمن المستمر كمفهوم حضاري، كان