أن تدخل تغييرا عميقا على عواطفه ومصالحه وعلاقاته في المجتمع والعالم، ومن ثم فإنها تكون قادرة على تغيير تاريخه ونقله إلى مسار جديد، ما دامت لا تواجه عقبات تشل فاعليتها وتأثيرها.
أما إذا فشلت العقائد والشرائع والمثل والقيم الأخلاقية والروحية في إدخال التغيير المناسب لها على تكوين الإنسان النفسي وعلى تقديره لمصالحه، لأنها لم تتأصل في أعماقه ولم تغير نظرته إلى الكون والحياة والإنسان، فإن تاريخه في هذه الحالة سيتكرر.
إن هذا التاريخ الجديد لن يحمل نفس السمات والخصائص الماضية في الغالب، ولكنه يحمل نفس الروح، ويخلف في المجتمع نفس الآثار التي كانت في الماضي تحمل أسماء جديدة وتقدم نفسها بمبررات جديدة لا تعدو أن تكون مجرد قشرة خادعة يستطيع المؤرخ الباحث أن يكتشف ما وراءها فيتجاوزها إلى العمق ليجد الواقع القديم تحت الأشكال الجديدة 1.
* في أول خطبة خطبها أمير المؤمنين علي بعد أن بويع بالخلافة في المدينة نرى أنه قد لاحظ عودة الأشكال القديمة للانقسامات القبلية والفئوية داخل المجتمع العربي الجاهلي إلى المجتمع الإسلامي في عهد عثمان وبعد مقتله بكل ما كانت تحتويه هذه الأشكال من روح قبلية وعنصرية، وأخلاقيات جاهلية رجعية.
وقد كانت عودة هذه الأشكال القديمة حاملة مضمونها الرجعي نتيجة لضمور المثل العليا والقيم المؤثرة في حركة التاريخ الإسلامي، ونتيجة لضعف مؤسسة الخلافة في عهد عثمان، هذا الضعف الذي مكن القوى القديمة والقيم القديمة - التي لم تكن قد ماتت بعد، وإنما كانت تعاني من حالة خمود وضمور - مكنها من أن تستعيد فاعليتها، وتعود إلى التأثير في حركة التاريخ تحت شعارات مناسبة تنسجم مع الإسلام في