التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٨٨
الزمن عنده مجرد تعاقب للظواهر الفلكية والفصول. ومن المعلوم أنه لم يكن لدى العربي الجاهلي تقويم.
ونتيجة لكل هذه العوامل لم تتكون لدى العربي أية خبرات تاريخية ماضية ذات شأن، ناشئة من وقوع الأحداث نفسها من ناحية والشعور بها من ناحية أخرى - لا أحداث مشتتة غير مترابطة - بل في نطاق نظام للتعاقب الزمني وللعلاقات الداخلية فيما بينها.
وبعبارة أخرى: لم يكن لدى العربي الجاهلي شعور باستمرار الأحداث وديمومتها، وتفاعلها الداخلي، وعلاقاتها بحاضره، وإمكانات تأثيرها في المستقبل على النحو الذي يصح أن يسمى وعيا تاريخيا. لقد كان وعي الماضي على هذا النحو لدى العربي الجاهلي قبيل الإسلام معدوما.
نعم، لقد كان ثمة وميض من الشعور بالماضي لدى العربي الجاهلي.
كانت الذاكرة تحمل صورا غامضة، هلامية الشكل ومشوهة لهذا الماضي ناشئة من القصص التي كانت تسمى الأيام، ومن العناية بالأنساب. لقد كانت الأيام والأنساب كما البعد التاريخي للإنسان العربي.
إن هذا الوميض من الشعور بالماضي لا يرقى، بالتأكيد، إلى أن يكون وعيا تاريخيا بالمعنى الذي نفهمه الآن.
فقصص الأيام نادرا ما تملئها الأحداث الكبرى ذات الشأن السياسي والإنساني وهو ما يعطي التاريخ حقيقته ومعناه. وغالب أحداثها يتكون من معارك صغيرة بين مجموعات قبلية، ويعطيها الخيال الشعري والنصوص الشعرية المرافقة لها وهجا وحجما غير واقعيين.
كما أنها تفقد عنصر الترابط فيما بينها، ولا تأخذ في جميع الأحوال بنظر الاعتبار عنصر السببية، ولا تقوم بينها علاقات داخلية.
وهي خالية من عنصر الزمن، وخلوها من عنصر الزمن ليس ناشئا من إهمال، بل ناشئ من عدم إدراك العربي الجاهلي لعامل الزمن التاريخي كما أشرنا آنفا.
(٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 ... » »»