التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٨٣
سائدة فيه بمفاهيم وقيم أخرى بثتها النبوة.
وقد أدت القيم الجديدة إلى إيجاد علاقات جديدة:
فألف الله بالنبي... بالقيم التي بشر بها وأذاعها في الناس، إخوانا في الإيمان، وفرقت هذه القيم الإيمانية بين أقران اختلفت بهم الطريق حين هتف صوت النبوة في المجتمع، فسلك بعضهم طريق الإيمان وبقي الآخر على طريقه القديمة، وقيمه القديمة، طريق الجاهلية وقيم الجاهلية.
كما أدت هذه القيم الجديدة إلى تغيير في المراتب الاجتماعية، لأن القيم القديمة التي كانت تجعل أساس الترتيب في البنية الاجتماعية بين الأشخاص أو الفئات متمثلا في المال، أو السلالة والنسب، أو القوة الحربية... هذه القيم قد زالت وحلت محلها قيمة جديدة غدت هي الأساس الذي يقوم عليه الترتيب الاجتماعي، وهي التقوى 1، ومن ثم فقد أعز الله بالنبي... بالقيم التي جاء بها الذلة التي كانت تفرضها القيم الجاهلية القديمة على الفقراء والمستضعفين، وأذل به العزة التي كانت تنشأ من قيم غير إيمانية.
من تاريخنا الإسلامي تحفل السيرة النبوية بمئات من الشواهد والنماذج.
فالأذلاء في الجاهلية كعمار بن ياسر وبلال الحبشي غدوا أعزاء في المجتمع الجديد، لأن القيم الجاهلية التي كانت تفرض عليهم أن يكونوا أذلاء في مرتبة اجتماعية متدنية قد زالت بالإسلام. وجاء الإسلام بقيم جديدة غيرت موقعهم في المجتمع فجعلتهم من النخبة، والأعزاء في الجاهلية غدوا أذلاء لأن القيم التي كانوا يتكئون عليها ويستمدون منها اعتبارهم الاجتماعي ويتبوؤن مركز النخبة فيه... هذه القيم قد زالت بالإسلام وحلت محلها قيمة جديدة هي التقوى، وحيث أنهم لم يتحلوا بهذه القيمة الجديدة فقد غدوا من الأذلاء.
* 1 - في شرح مفهوم التقوى الإسلامي وبيان مكوناته وأبعاده راجع كتابنا (دراسات في نهج البلاغة) فصل: المجتمع والطبقات الاجتماعية.
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»