التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٦٢
إطلاقا شعورا بالمسؤولية تجاه الإسلام، وأعظمهم حرصا على ازدهاره وانتشاره وتعمقه في العقول والقلوب.
ومن المؤكد أن الحكم عنده لم يكن مطلبا شخصيا، بل وسيلة إلى بلوغ غاية تتجاوز الأشخاص والأجيال والمصالح الخاصة لتعم وتشمل ما بقي من عمر الدنيا، وما تضمره القرون المقبلة من أجيال في كل الأوطان وفي كل الأمم.
إن عليا، بعد رسول الله (ص) - كان أب الإسلام. وقد تصرف تصرف الأب الحريص، فتحمل بصبر جميل نبيل جراحه الشخصية وحرمانه في سبيل قضية حياته الكبرى، قضية الإسلام.
ولا شك في أن جميع المسلمين كانوا يعرفون هذه الحقائق في شخصية وضمير الإمام علي، ويبدو أن منافسيه السياسيين قاموا بمغامرتهم الناجحة 1 معتمدين على جملة معطيات من جملتها ثقتهم بأن الإمام سيقدم مصلحة الإسلام العليا على مصالحه الخاصة.
لقد أشار الإمام في كتاب له بعث به إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها، إلى العامل السياسي الذي حال دون مضيه في المعارضة، فقال:
... فأمسكت يدي 2 حتى رأيت راجعة الناس 3 قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد (ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما 4 أو هدما تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب، أو كما يتقشع السحاب فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح 5 الباطل

(١) مما يوحي بشعور الجميع آنذاك بخطورة الإجراء الذي اتخذوه واشتماله على درجة كبيرة من المغامرة قول الخليفة عمر بن الخطاب في خلافته في تحذير غير مباشر وجهه إلى طلحة والزبير وغيرهما لما نمي إليه عنهم من آراء تتصل بطريقة انتقال السلطة على الأسلوب الذي تم في السقيفة (كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها).
(2) أمسكت يدي: توقفت عن المشاركة في الموقف الراهن.
(3) راجعة الناس: الراجعون عن الإسلام، المرتدون.
(4) ثلما: خرقا وانتهاكا.
(5) زاح: ذهب وزال.
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»