التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٦٧
الأخيرة من حياته... واستمرت بعد استشهاده، وزادت ضراوة وعنفا حين فترت الهمم وتقاعست العزائم عن التصدي الفعال لها، فانتصرت وسادت - قبل عهد الثورات - حركة الردة.
ومن هنا فقد كثر كلام الإمام علي عن هذه الفتنة من جميع وجوهها: نعرض أسباب وبدايات حدوثها، وآلية حركتها، والموقف منها.
أ - كيف تبدأ الفتنة؟
كيف تبدأ الفتنة؟. قال عليه السلام:
إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، ويتولى عليها رجال رجالا على غير دين الله. فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين 1 ولو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين 2 ولكن يؤخذ من هذا ضغث 3 ومن هذا ضغث فيمزجان فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه. وينجو (الدين سبقت لهم منا الحسنى) 54.
هذا النص يكشف عن عاملين يكونان الفتنة الغالبة:
أحدهما:
تغليب المقياس الذاتي في القيم على المقياس الموضوعي أهواء تتبع فبدلا من أن يكون المرجع في القيم النظام العقيدي والتشريعي للمجتمع، يتجاوز رواد الفتنة هذا النظام فيرجعون إلى النوازع الذاتية والعاطفية والمصلحية فتكون هي المقياس بالمعتمد وهو المرجع الأخير في القيم والسلوك، وعلى ضوء ما تمليه تتخذ المواقف من الأحداث والأشخاص.

(1) المرتاد: الطالب.
(2) اللبس: الملابسة والمخاطبة.
(3) الضغث من الحشيش القبضة منه. يعني يخلط شئ من الحق بشئ من الباطل فيشتبه أمرهما وتحصل الفتنة.
(4) سورة الأنبياء (مكية - 21) الآية 101.
(5) نهج البلاغة - الخطبة رقم: 50
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»