ولكن هذا الموقف يكون صوابا حين لا يكون الإمام العادل موجودا، ولا يتاح للمسلم أن يتبين الحق من الباطل في الأحداث والمواقف التي تجري أمامه، أما حين يكون الإمام العادل موجودا، ويتخذ من الفتنة موقفا، فإن على المسلم أن ينسجم في مواقفه مع مواقف الإمام العادل، وليس له أن يبقى على السلبية متذرعا بأنه يخشى الوقوع في الباطل، وإنما يكون موقفه هذا، في هذه الحالة، جبنا وخذلانا للحق، بل إنه يكون، من بعض الوجوه، خيانة ومساهمة في الفتنة، لأنه بسلبيته غير المبررة قد يضلل آخرين يجدون في سلبيته تبريرا لمواقفهم.
وقد واجه الإمام أثناء فترة حكمه العاصفة مثل هذه المواقف الجبانة السلبية الخائنة من قبل بعض القيادات في مجتمعه تجاه الفتنة التي أثارتها قوى الثورة المضادة، فقال مرة يخاطب الناس:
أيها الناس، ألقوا هذه الأزمة 1 التي تحمل ظهورها الأثقال من أيديكم، ولا تصدعوا 2 على سلطانكم، فتذموا غب فعالكم 3 ولا تقتحموا ما استقبلتم من فور نار الفتنة 4، وأميطوا عن سننها 5 وخلوا قصد السبيل لها 6، فقد لعمري يهلك في لهبها المؤمن، ويسلم فيها غير المسلم.
إنما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة، يستضئ به من ولجها... 7.
فالإمام هنا ينهى جمهوره عن المشاركة في الفتنة ولكنه لا يقرهم على الموقف السلبي منها، وإنما يأمرهم بالتصدي لها.
إن المشاركة فيها تعني التآمر معها، والسلبية أمامها تعني عدم التصدي لها،