التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٥٨
الناس، بل يغدون موضعا للنقد والتجريح، وتجف الروافد الرجعية التي تمدها بالحياة والحركة، ويتعافى المجتمع من نكسته، ويخرج من التجربة أكثر وعيا ويقظة.
وقد مرت على المسلمين في عهد رسول الله (ص) بعض الفتن العارضة التي تجاوزوها، بتوجيه رسول الله (ص)، بنجاح، وخرجوا منها دون أن تؤثر على حركة المجتمع الإسلامي المندفعة إلى الأمام.
ولعل أشد هذه الفتن العارضة التي واجهت المجتمع الإسلامي في عهد النبي (ص) خطورة كانت فتنة الإفك، في سنة ست للهجرة، في أعقاب غزو رسول الله (ص) والمسلمين لبني المصطلق من خزاعة.
وقبل الإفك ما حدث أثناء العودة من الغزوة المذكورة، حين أدى تزاحم على الماء في بعض منازل الطريق بين أجير لعمر بن الخطاب من بني غفار اسمه (جهجاه)، وبين أحد حلفاء الخزرج واسمه (سنان بن وبر الجهني)، واقتتلا، فصرخ حليف الخزرج: يا معشر الأنصار وصرخ أجير عمر بن الخطاب يا معشر المهاجرين. ونشط المنافقون، وعلى رأسهم (عبد الله بن أبي سلول)، لاستغلال التوتر الذي ولده هذا النزاع البسيط بين المهاجرين والأنصار، وهدد ابن أبي سلول بأنهم إذا عادوا إلى المدينة (ليخرجن الأعز منها الأذل)، وكادت الفتنة أن تجرف كثيرين...
ولكن حكمة رسول الله (ص) قضت على الفتنة في مهدها.
وأنزل الله في شأن هذه الفتنة الصغيرة العارضة سورة المنافقين (رقم 63 في المصحف) فضح فيها نوايا المنافقين وأساليبهم، وجعل منها درسا تربويا إيمانيا وسياسيا للمسلمين عمق وعيهم، وزاد يقظتهم، وعزز صلابتهم أمام أساليب النفاق.
أما فتنة الإفك فكانت أشد خطورة وأوسع انتشارا.
لقد كانت مرتعا خصبا للمنافقين يوهنون من خلالها مقام رسول الله (ص)، ويشوهون سمعته، ويلقون ظلالا من الريبة على طهارة بيته، في مجتمع يقوم على قيم صارمة فيما يتعلق بالطهارة الجنسية، بما يؤدي إليه الهمس الخفي في شأن كهذا في مجتمع كهذا من سخريات وظنون والإشاعات تضعف التأثير النفسي لتوجيهات رسول الله (ص).
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»