وما هو أشد خطورة في دس المنافقين واستغلالهم للإمكانات التي يتيحها الإفك، هو أن الفتنة أدت إلى تصدع تلاحم المسلمين أنفسهم، حيث استغل زعماء قبيلة الأوس تورط بعض أفراد قبيلة الخزرج في إشاعة الحديث عن الإفك، للتعبير عن أحقاد قبلية جاهلية تحت ستار الغيرة على رسول الله (ص)، والتمسك بأهداب الدين.
فقال رئيس الأوس (أسيد بن حضير) مخاطبا رسول الله (ص) حين وجه عتابا رقيقا للذين روجوا الإشاعة الكاذبة، دون أن يسمي أحدا:
يا رسول الله: إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج فمرنا بأمرك، فوالله إنهم لأهل أن تضرب أعناقهم.
فقال سعد بن عبادة زعيم الخزرج رادا عليه:
كذبت لعمر الله، لا تضرب أعناقهم. أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا....
فقال أسيد بن حضير:
كذبت لعمر الله، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين....
وتساور الناس 1 حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر 2.
وهكذا وجدت القيم الجاهلية القديمة متنفسا تعبر به عن نفسها من خلال هذه الفتنة متسترة بشعارات إسلامية.
ولكن حكمة رسول الله (ص)، ووعي المجتمع، ورسوخ المبادئ والقيم الإسلامية في نفوس النخبة حصرت الفتنة في نطاق ضيق، وحالت دون تأثير في إحداث تفاعلات سيئة بالنسبة إلى حركة التقدم النبوية. وجاء الوحي بعد ذلك فقضى على الفتنة، حيث أنزل الله تعالى في هذا الشأن سورة النور (السورة رقم 24 في المصحف) وجعل منها درسا تربويا، ومناسبة لسن تشريعات تتعلق بالعلاقات بين الجنسين