التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٦٥
مواجهتها بأسلوب يعطي الأولوية في الحل لمصلحة القضايا المبدئية والعامة، لا للجانب الشخصي والعائلي.
هذه هي، فيما نرى، أبرز سمات الفتنة العارضة.
ج - الفتنة الغالبة هذا النوع الثالث من أنواع الفتنة، هو، كما يدل عليه الوصف الذي اخترناه له، دون الفتنة الشاملة، وفوق الفتنة العارضة.
وقد تنشأ الفتنة الغالبة من تدهور سياسي عقيدي - تشريعي كبير يحل بالمجتمع أثناء حركته الانبعاثية، أو بعد بلوغه الذروة.
كما قد تنشأ من فتنة عارضة تهمل القيادة جانب الحكمة في مواجهتها، أو تغفل عنه، فتتعاظم عثرة المجتمع، وتتغذى الحالة الانحرافية بالتناقضات المستكنة في أعماق التركيب الاجتماعي، كما أنها تتغذى بالقيم القديمة التي أجبرها النظام الجديد على أن تنسحب من دائرة العمليات الاجتماعية إلى الظلام.
وتفشل النخبة في علاج العثرة بسب عجز هذه النخبة، أو بسبب تناحر أجنحتها وانحياز بعض الأجنحة إلى خط الإنحراف.
وعامل الزمن في مصلحة الإنحراف، فكلما مضى على الإنحراف يوم دون أن يوضع له حد ودون أن يقوم، يزداد رسوخا وتمكنا، ويستوعب مساحة جديدة من المجتمع، ويكون لدى مزيد من الناس قناعات في صالحه بينما تزداد النخبة عجزا، وعزلة، وتفقد مزيدا من مواقعها.
وقبل مضي زمن طويل على الإنحراف الذي أنشب مخالبه في كيان المجتمع، وفشلت النخبة في القضاء عليه - يشيع هذا الإنحراف، ويطبع كثيرا من أوجه الحياة، ويغدو عرفا أو قانونا أو سنة متبعة، تحميه وتصونه قناعات تتأصل في الثقافة، وتغدو جزءا من تكوين المجتمع الثقافي.
قلنا: إن هذا يحدث قبل مضي زمن طويل على حدوث الإنحراف، لأن الإنحراف عادة يكون إلى جانب اليسر والسهولة والحياة الهينة وهذا ما يغري بالاتباع
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»