التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٦٣
وزهق 1، واطمأن الدين وتنهنه 2. 3 وقد خيب موقفه المبدئي الرسالي آمال كثيرين ممن كان إسلامهم موضع شك أو كانوا مسلمين مخلصين ولكنهم ينظرون إلى مسألة الحكم من زاوية المصالح القبلية والعائلية نتيجة لافتقارهم إلى النضج والوعي.
وقد حاول بعض هؤلاء أن يحملوه على تغيير موقفه المبدئي الرسالي، ولكنه رفض محاولاتهم، مصرحا بأن الموقف موقف فتنة، داعيا، إلى النظر في الموقف وفقا لمقياس عقيدي إسلامي مبدئي، والابتعاد عن المنظور الجاهلي القبلي الذي بدت سماته في تلك المحاولات.
وقد صرح بذلك في مواقف كثيرة، منها قوله مخاطبا الناس حين دعاه أبو سفيان بن حرب والعباس بن عبد المطلب إلى أن يبايعا له بالخلافة:
أيها الناس، شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق المنافرة 4 وضعوا تيجان المفاخرة. أفلح من نهض بجناح، أو استسلم فأراح.
هذا ماء آجن 5، ولقمة يغص بها آكلها. ومجتني الثمرة لغير إيناعها 6 كالزارع بغير أرضه 7.
* والسمات التي تميز الفتنة العارضة، فيما نستفيده من جملة ما ورد عن الإمام علي في هذا الشأن، ومن الدراسة التاريخية،... أربع:
1 - تتولد أزمة سياسية، قد تكون بسبب أحداث صغيرة، تكون غالبا غير مخطط لها بل عرضية، ولكن سرعان ما تدخلها بعض القوى الاجتماعية ذات الأهداف السرية

(1) زهق: مات، يعني هنا: زال الباطل تماما.
(2) تنهنه: انتعش.
(3) نهج البلاغة، باب الكتب، رقم النص: 62.
(4) عرج عن الطريق: تنحى عنها. يعني تنحوا عن الأسلوب الجاهلي في الصراع السياسي وهو المنافرة والمفاخرة.
(5) الآجن: الماء الذي تغير لونه وفسدت رائحته ولم يعد صالحا للشرب، يعني بذلك الأسلوب السياسي الجاهلي.
(6) الإيناع: النضج والصلاحية للأكل.
(7) نهج البلاغة، الخطبة رقم: 5.
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»