ولكن هذا الوضع الحقوقي النظري بالنسبة إليه، كان يواجه وضعا اجتماعيا وسياسيا واقعيا.
فمن ناحية كان المجتمع الاسلامي الوليد لا يزال مجتمعا هشا من حيث التلاحم الداخلي الناشئ عن العقيدة الواحدة، لأن القيم الجاهلية كانت لا تزال سائدة في الحياة العامة للقبائل التي دخلت في الإسلام في عام الوفود قبل وفاة النبي (ص) بسنة وأشهر - أو أقل من سنة بالنسبة إلى إسلام بعض هذه القبائل - وكانت هذه القيم الجاهلية في أحسن الحالات مستكنة تحت قشرة رقيقة من الإسلام، وكان لا بد من مضي وقت طويل قبل أن تذبل هذه القيم الجاهلية وتفقد حرارتها وفاعليتها.
وفي حالة كهذه كان أي عمل سياسي يتسم بطابع العنف سيؤدي في الراجح إلى تصدع خطير في بنية المجتمع الإسلامي وتماسكه، وقد يؤدي إلى ردة واسعة النطاق في أوساط حديثي العهد بالإسلام.
ومن ناحية أخرى كان فريق من القبائل قد ارتد فعلا عن الإسلام، واتبع بعض أدعياء النبوة، وغدا يشكل تهديدا حقيقيا للإسلام حين انتشرت ظاهرة التنبؤ واتجه قادتها إلى تحالف يوحد قواهم، فسيطروا على اليمن تقريبا في الجنوب، وعلى مساحات واسعة من الحجاز ونجد في الشمال.
وقد اتجه الإمام علي إلى المعارضة والاحتجاج أول الأمر. ورفض الاعتراف بالنتيجة التي أسفر عنها اجتماع السقيفة، واعتصم في منزله، وبدا بوضوح أن موقفه سيثير تفاعلات خطيرة في وجه اختيار السقيفة داخل المدينة وخارجها... ولكن الإمام عليا سرعان ما واجه الواقع السياسي والاجتماعي للمجتمع الإسلامي الوليد، والأخطار التي ربما تعرض لها الإسلام نفسه نتيجة لهذا الموقف.
ولو لم يكن علي بن أبي طالب رجل العقيدة الأول، ورجل الرسالة الأول، الأكثر وعيا والأعظم شعورا بالمسؤولية، لما ألقى بالا إلى الواقع السياسي والاجتماعي للإسلام، ولمضى في معارضته إلى نهايتها، مستغلا الواقع السياسي والاجتماعي في سبيل نجاح مسعاه للوصول إلى السلطة.
ولكنه كان بالفعل رجل العقيدة الأول، ورجل الرسالة الأول، وأعظم المسلمين