التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٥٦
... وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور، والكتاب المسطور... والناس في فتن انجذم 1 فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري اليقين 2 واختلف النجر 3 وتشتت الأمر، وضاق المخرج، وعمي المصدر، فالهدى خامل، والعمى شامل. عصي الرحمان، ونصر الشيطان، وخذل الإيمان فانهارت دعائمه وتنكرت معالمه، ودرست سبله 4 وعفت شركه 5، أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه ووردوا مناهله 6، بهم سارت أعلامه وقام لواؤه، في فتن داستهم بأخفافها ووطئتهم بأظلافها 7 وقامت على سنابكها 8، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون، في خير دار وشر جيران. نومهم سهود، وكحلهم دموع، بأرض عالمها ملجم، وجاهلها مكرم 9.
في هذا النص فصل الإمام علي نظرته إلى نموذج من نماذج الفتنة باعتبارها ظاهرة سياسية لمجتمع ما.
والسمات التي تميز الفتنة الشاملة فيما يفيده هذا النص هي:
1 - مجتمع لا يحكمه نظام أخلاقي، وخال من الحياة الروحية السليمة. وهذا لا ينفي أن يتمتع المجتمع المذكور بنظام سياسي.
وهذه السمة يدل عليها قول الإمام انجذم فيها حبل الدين فالمجتمع منقطع الصلة بالوحي، ومن ثم فهو لا يتمتع بنظام روحي وأخلاقي.
2 - مجتمع تسيطر على أفراده وفئاته روح الشك. ويتبع فيه - في مجال القيم - المقياس الذاتي، لأنه لا يتمتع بمقياس موضوعي نتيجة لخلوه من النظام الأخلاقي والحياة الروحية.

(1) انجذم: انقطع.
(2) السواري: جمع سارية، وهي الدعامة.
(3) النجر: الأصل.
(4) درست: انطمست.
(5) عفت شركه: عفت: انمحت، وشركه جمع شراك: الطريق.
(6) المناهل: جمع منهل، هو مورد النهر.
(7) الخف للبعير: والظلف للبقر والشاء: كالقدم للإنسان.
(8) السنابك جمع سنبك: طرف الحافر.
(9) نهج البلاغة، الخطبة رقم: 2.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»