وهذا نص يصرح فيه الإمام لأصحابه بما ينتظرهم من الفتنة وويلاتها من بعده، محملا إياهم مسؤولية نشوء الفتنة وانتشارها وما يترتب على ذلك من شرور، لأنهم كانوا سلبيين أمام مظاهر تسرب روح الفتنة إلى مجتمعهم السياسي وبنيتهم الثقافية، وهذا ما وفر للفتنة أجواء النمو والانتشار، وكانوا متخاذلين، مهملين لواجبهم، لم يتحملوا مسؤوليتهم في نصرة قضيتهم، وحماية نظامهم الشرعي العادل:
أيها الناس، لو لم تتخاذلوا عن نصر الحق، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقو من قوي عليكم. لكنكم تهتم متاه بني إسرائيل، ولعمري ليضعفن لكم التيه من بعدي أضعافا، بما خلفتم الحق وراء ظهوركم، وقطعتم الأدنى ووصلتم الأبعد... 1.
ج - ما موقف المسلم من الفتنة حين تبدأ؟
ما موقف المسلم من الفتنة حين يذر قرنها؟
في الفتنة - كما رأينا - يختلط الحق بالباطل، ويلتبس الصواب بالخطأ، فلا يتميز أحدهما من الآخر.
وفي هذه الحالة يكون الموقف الأسلم والأوفق بالشرع هو الابتعاد عن الفتنة والامتناع عن المشاركة مع هذا الطرف أو ذاك، إذ لا يأمن المشارك من أن يقع في الباطل وهو يرى أنه ينصر الحق، أو يحارب الحق وهو يرى أنه يحارب الباطل.
وهذا هو الموقف الذي نصح الإمام بالتزامه حين تقع الفتنة، ويلتبس فيها الحق بالباطل، فقد قال:
كن في الفتنة كابن اللبون. لا ظهر فيركب، ولا ضرع فيحلب 2.