تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق٢ - الصفحة ٦٢
خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده وفهمها أبو بكر فبكى فقال بل نفديك بأنفسنا وأبنائنا فقال على رسلك يا أبا بكر ثم جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فرحب بهم وعيناه تدمعان ودعا لهم كثيرا وقال أوصيكم بتقوى الله وأوصى الله بكم وأستخلفه عليكم وأودعكم إليه انى لكم نذير وبشير ألا تعلوا على الله في بلاده وعباده فإنه قال لي ولكم تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين وقال أليس في جهنم مثوى للمتكبرين (ثم سألوه) عن مغسله فقال الأدنون من أهلي (وسألوه) عن الكفن فقال في ثيابي هذه أو ثياب مصر أو حلة يمانية (وسألوه) عن الصلاة عليه فقال ضعوني على سريري في بيتي على شفير قبري ثم اخرجوا عنى ساعة حتى تصل على الملائكة ثم ادخلوا فوجا بعد فوج فصلوا وليبدأ رجال أهلي ثم نساؤهم (وسألوه) عمن يدخله القبر قال أهلي ثم قال ائتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فتنازعوا وقال بعضهم أهجر يستفهم ثم ذهبوا يعيدون عليه ثم قال دعوني فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه (وأوصى بثلاث) أن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب وان يجيزوا الوفد كما كان يجيزهم وسكت عن الثالثة أو نسيها الراوي وأوصى بالأنصار فقال إنهم كرشي وعيبتي التي أويت إليها فأكرموا كريمهم وتجاوزوا عن مسيئهم قد أصبحتم يا معشر المهاجرين تزيدون والأنصار لا يزيدون ثم قال سدوا هذه الأبواب في المسجد الا باب بنت أبي بكر فانى لا أعلم أمرأ أفضل يدا عندي في الصحبة من بنت أبي بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صحبة إخاء وايمان حتى يجمعنا الله عنده ثم ثقل به الوجع وأغمى عليه فاجتمع إليه نساؤه وبنوه وأهل بيته والعباس وعلى ثم حضر وقت الصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت عائشة انه رجل أسيف لا يستطيع أن يقوم مقامك فمر عمر فامتنع عمر وصلى أبو بكر ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة فخرج فلما أحس أبو بكر تأخر فجذبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقامه مكانه وقرأ من حيث انتهى أبو بكر ثم كان أبو بكر يصلى بصلاته والناس بصلاة بنت أبي بكر قيل صلوا كذلك سبع عشرة صلاة وكان يدخل يده في القدح وهو في في النزع فيمسح وجهه بالماء ويقول اللهم أعني على سكرات الموت فلما كان يوم الاثنين وهو يوم وفاته خرج إلى صلاة الصبح عاصبا رأسه وأبو بكر يصلى فنكص عن صلاته ورده رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وصلى قاعدا عن يمينه ثم أقبل على الناس بعد الصلاة فوعظهم وذكرهم (ولما فرغ من كلامه) قال له أبو بكر انى أراك أصبحت بنعمة الله وفضله كما نحب وخرج إلى أهله في السنح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته فاضطجع في حجرة عائشة ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر عليه وفى يده سواك
(٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 ... » »»