فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١٣٥
هؤلاء القوم حتى ينفذ إلى رحله ويصلح له طعاما حارا يأكله ليكون بذلك شديدا على لقاء العدو قال فابتدرنا لاصلاح أمورنا فلما نظر أهل بعلبك إلى تأخرنا عن حربهم وقتالهم طمعوا فينا وظنوا أن ذلك فشل منا وعجز فصاح هربيس في الروم وقال اخرجوا لهم بارك المسيح فيكم قال غياث بن عدي فلم يشعر المسلمون الا والأبواب قد فتحت والخيل والرجال قد طلعت الينا كالجراد المنتشر قال وكان بعضنا قد مد يده إلى الطعام وبعضنا ينضج له القرص وإذا بمناد ينادي يا خيل الله اركبي وللجهاد تأهبي فدونكم والقوم قبل أن يدهموكم قال حمدان بن أسيد الحضرمي وكان لي قرص خبزته وقدمت شيئا من الزيت لاجعله ادامى للقرص وإذا بالمنادي ينادي النفير النفير قال فوالله ما راعني ذلك حتى اخذت قطعة وغمستها في الزيت وهويت بها إلى فمي سمعت النفير فقمت مسرعا وركبت جوادي عريانا من دهشتي لسرعة الإجابة وضربت يدي على عمود من أعمدة الخيام وحملت على القوم فوالله ما شعرت بما صنعت ولا عقلت على نفسي حتى صرت في الروم فجعلت احطمهم حطما واهبرهم بالسيف هبرا قال فنظرت إلى خيل الروم متفرقة والأمير أبو عبيدة قد نصب رايته والناس يهرعون إليها وان أبا عبيدة رضي الله عنه ينادي برفيع صوته اليوم يوم له ما بعده قال ونظر أبو عبيدة إلى شدة ضرب الروم وصبرهم على قتال المسلمين فحمل عليهم بالخيل العربية وأحاط بالروم من كل جانب ومكان وكان في جملة خيله عمرو بن معد يكرب الزبيدي وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وربيعة بن عامر ومالك بن الأشتر وضرار بن الأزور رضي الله عنه وذو الكلاع الحميري فلله درهم فلقد قاتلوا قتالا شديدا وابلوا بلاء حسنا فلما نظرت الروم إلى فعلهم رجعوا إلى أعقابهم طالبين الاسوار وغلقوا الأبواب ورجع المسلمون إلى عسكرهم وأضرموا نيرانهم ودفنوا من استشهد منهم وأقبلت رؤساء المسلمين إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه وقالوا أيها الأمير ما الذي قد عزمت عليه وما عندك من الرأي يرحمك الله فقال أبو عبيدة رضي الله عنه اعلموا أن من الرأي ان نتأخر عن المدينة مقدار شوط فرسخ ليكون ذلك مجالا نحيلكم ومنعة لحريمكم والنصر من عند الله تعالى ثم دعا أبو عبيدة رضي الله عنه بسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعقد له راية وأمره على خمسمائة فارس وثلاثمائة راجل وأمرهم ان يهبطوا إلى الوادي وأن يقاتلوا القوم على الأبواب وأن يشغلوهم عن المسلمين ثم دعا ضرار بن الأزور وعقد له راية وأمره على خمسمائة فارس ومائة راجل سرحه إلى باب الشام وقال يا بن الأزور اظهر شجاعتك على بني الأصفر فقاتل من هناك من الروم فقال حبا وكرامة قال ومضت كل فرقة إلى جهة من الجهات فلما أصبح الصباح فتحت الروم الأبواب وخرجوا في خلق كثير إلى أن تكاملوا حول بطريقهم هربيس فقال لهم البطريق اعلموا يا
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»