مدينتهم فنادوا بالويل والخراب وظنوا انه قد اتى للمسلمين نجدة ومدد وقد غرر بهم البطريق فلما نظر البطريق إلى تبلدهم زعق فيهم وقال يا ويلكم لا ترجعوا إلى المدينة قد حيل بينكم وبينها وهذه مكيدة من مكايد العرب فلما سمعت الروم ذلك أحاطوا ببطريقهم كالحلقة المستديرة يحمي بعضهم بعضا فعدل بهم البطريق نحو الجبل ذات الشمال وكان سعيد بن زيد وضرار بن الأزور قد أقبلا بجيشهما عن يمين الحصن وشماله فحملوا عليهم واتبعوا آثارهم حتى طلعوا إلى الجبل والتجأت الروم إلى ضيعة في الجبل حصينة خالية من أهلها فاستند الروم إليها وتحصنوا فيها وتبعهم سعيد بن زيد في الخمسمائة فارس الذين كانوا معه وذلك أن الأمير أبا عبيدة رضي الله عنه لما نظر إلى هزيمة الروم نادى في المسلمين معاشر الناس لا يتبعهم أحد ولا يفترق جمعكم لأني اخشى أن تكون هزيمة القوم مكيدة لكم حتى إذا تفرق جمعكم زحفوا عليكم قال وان سعيد بن زيد لم يكن يسمع النداء ولو سمع النداء ما تبع القوم قال الواقدي لما تحصنت الروم في الضيعة قال سعيد بن زيد هذه طائفة قد أراد الله هلاكها فدوروا بهم وحاصروا في كل مكان ولا تدعوا أحدا يطلع رأسه إلى أن تلحق بكم المسلمون ويأتي إليكم امر من الأمير أبي عبيدة ثم اقبل إلى رجل من عظماء المسلمين وقال له اخلفني في قومي حتى انظر رأى الأمير أبي عبيدة ومن معه ثم اخذ معه زهاء من عشرين فارسا من أصحابه وسار حتى لحق بجيش المسلمين فلما نظر اليه الأمير أبو عبيدة ومن معه قال يا سعيد اين رجالك وما صنعت بهم قال ابشر أيها الأمير فان المسلمين في خير وسلامة وقد حاصروا أعداء الله في ضيعة في هذا الجبل ثم اخبره بالقصة من أولها إلى آخرها فقال أبو عبيدة الحمد لله الذي هزمهم عن أوطانهم وجعلهم اشتاتا ثم اقبل أبو عبيدة على سعيد بن زيد وعلى ضرار بن الأزور وقال لهما ما هذه المخالفة رحمكم الله ألم آمركم بالإقامة على أبواب المدينة والمشاغلة للقوم فما الذي ردكم إلي وقد ارعبتم قلبي وقلب من كان معي وظننت ان أهل المدينة كادوكم وهو الذي منعنا ان نتبع المنهزمين فقال سعيد بن زيد أيها الأمير والله ما عصيت لك امرا ولا خالفتك في قول واني قد وقفت حيث أمرتني إذ رأينا دخانا قد علا قتامه ولاح لنا بيانه فقلنا والله ما هذه الا داهية من دواهي الروم أو نفير قد استدعانا به المسلمون فأسرعنا نحوك فعندما نادى الأمير أبو عبيدة في المسلمين معاشر الناس أيكم أوقد نارا أو دخن دخانا في هذا الجبل فليجب الأمير أبا عبيدة قال سهل بن صباح فلما سمعت النداء أجبت المنادي وأتيت الأمير أبا عبيدة فقال ما الذي جراك على ذلك فقصصت عليه قصتي فقال أبو عبيدة لقد وفقك الله تعالى إلى الجنة فإياك بعدها ان تحدث حديثا من غير اذن أميرك قال الواقدي فبينما الأمير كذلك يحدث سهل بن صباح وإذا برجل من
(١٣٧)