فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١٣٣
قبل وأشرفت على هذه المدينة والقلعة البيضاء ورجوت ان نلحق سوابق الخيل فرأيت القوم يدخلون المدينة من جميع الأبواب مثل السيل المنحدر والمدينة مشحونة بأهل السواد والقرى والمواشي ودوابهم فيها وقد ضاقت بهم وهذه أصوات القوم في المدينة كأنهم النحل من كثرتهم فقال أبو عبيدة صدقت يا معاذ ونصحت وأيم الله ما عرفتك الا مبارك الرأي سديد المشورة قال الواقدي وبات المسلمون تلك الليلة يحرس بعضهم بعضا إلى الصباح ثم كتب أبو عبيدة رضي الله عنه إلى أهل بعلبك كتابا يقول فيه بسم الله الرحمن الرحيم من أمير جيوش المسلمين بالشام وخليفة أمير المؤمنين فيهم أبو عبيدة بن الجراح إلى أهل بعلبك من المخالفين والمعاندين أما بعد فان الله سبحانه وتعالى وله الحمد أظهر الدين وأعز أولياءه المؤمنين على جنود الكافرين وفتح عليهم البلاد وأذل أهل الفساد وان كتابنا هذا معذرة بيننا وبينكم وتقدمة إلى كبيركم وصغيركم لأنا قوم لا نرى في ديننا البغي وما كنا بالذين نقاتلكم حتى نعلم ما عندكم وان دخلتم فيما دخل فيه المدن من قبلكم من الصلح والأمان صالحناكم وان أردتم الذمام ذممناكم وان أبيتم الا القتال استعنا عليكم بالله وحاربناكم فأسرعوا بالجواب والسلام على من اتبع الهدى ثم كتب أنا قد أوحى الينا أن العذاب على من كذب وتولى وطوى الكتاب وسلمه إلى رجل من المعاهدين وأمره أن يسير به إلى أهل بعلبك ويأتيه بالجواب فاخذ المعاهد الكتاب وأتى به إلى السور وخاطبهم بلغتهم وقال إني رسول إليكم من هؤلاء العرب فدلوا حبلا فربطه في وسطه واخذه القوم إليهم وأتوا به إلى بطريقهم هربيس فناوله الكتاب فجمع هربيس أهل الحرب والبطارقة وقرأ عليهم كتاب أبي عبيدة رضي الله عنه وقال أشيروا علي برأيكم فقال له بطريق من بطارقته وهو صاحب مشورة الرأي عندي ان لا نقاتل العرب لأنا ليس لنا طاقة بقتالهم ومتى صالحناهم كنا في أمن وخصب ودعة كما قد صار أهل أركه وتدمر وحوران وبصرى ودمشق وأن نحن قاتلناهم وأخذونا في الحرب قتلوا رجالنا واستعبدونا وسبوا حريمنا والصلح خير من الحرب فقال هربيس لا رحمك المسيح فما رأيت أجبن منك ولا أقل جلدا يا ويلك كيف تأمرنا أن نسلم مدينتنا إلى أوباش العرب ولا سيما وقد عرفت حربهم وقتالهم واختبرت نزالهم واني في هذه النوبة لو حملت في ميسرتهم كنت هزمتهم فقال له البطريق نعم كانت الميسرة والقلب يخافون منك ثم تخاصما وتشاتما وافترق أهل بعلبك فرقتين فرقة يطلبون الصلح وفرقة يطلبون القتال ورمى هربيس الكتاب إلى المعاهد بعد ان مزقه وأمر غلمانه أن يدلوه إلى ظاهر المدينة ففعلوا ذلك ووصل المعاهد إلى عسكر المسلمين وأتى أبا عبيدة رضي الله عنه وحدثه بما كان من القوم وقال أيها الأمير ان أكثر القوم عولوا على القتال فقال أبو عبيدة رضي الله عنه للمسلمين شدوا
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»