فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١٣٤
عليهم واعلموا ان هذه المدينة في وسط اعمالكم وبلادكم فان بقيت كانت وبالا على من صالحتم ولا تقدرون على سفر ولا على غيره قال فلبس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح والعدد ورجعوا إلى الاسوار وعطف أهل بعلبك عليهم وتراموا بالسهام والأحجار وان هربيس قد نصب كرسيه وسريره على برج من أبراج القلعة من ناحية النملة وقد عصب جراحته ولبس سلاحه ولامته ولبس على رأسه صليبا من الجواهر وحوله البطارقة والديرجانية بالدروع المذهبة والعدد الكاملة وفي أعناقهم صلبان الذهب والجوهر وبأيديهم القسي والسهام قال عامر بن وهب اليشكري شهدت حرب بعلبك وقد زحفت المسلمون إلى سورها قال ونشاب الروم كالجراد المنتشر وكان أناس من العرب بلا سلاح فأصابهم سهام القوم قال ورأيت القوم يتساقطون علينا من السور تساقط الطير على الحب فذهبت إلى رجل سقط لاضرب عنقه فصاح الغوث الغوث وكنا قد عرفنا من الحرب ان من قال الغوث يعني الأمان فقلت له يا ويلك لك الأمان فما الذي ألقاك الينا من سوركم فجعل يكلمني بالرومية وأنا لا أدري ما يقول قال عامر ابن وهب اليشكري فسحبته إلى خيمة أبي عبيدة وقلت له أيها الأمير اطلب من يعرف لغة هذا العلج فاني رايتهم يرمي بعضهم بعضا فقال أبو عبيدة رضي الله عنه لمن حضر من المترجمة أخبرنا بخبر هذا العلج وما قضيته ولم يرمي بعضهم بعضا فقال له الترجمان يا ويلك قد أعطيناك الأمان فاصدقنا في الكلام قل لنا لم يرمي بعضكم بعضا قال إن بعضنا لا يرمي بعضا ولكنا من أهل والقرى فلما سمعنا بمسيركم ورجوعكم عن أهل قنسرين التجأنا إلى هذه المدينة من جميع الرساتيق لنتحصن فيها لما نعلم من كثرة ما بها من الجيش فضيق بعضنا على بعض وسددنا طرقات المدينة ومضى بعضنا إلى السور فإذا ليس لنا موضع ناوي إليه ولا مسكن نسكن فيه فجعلنا الأبراج والأسوار مسكنا لنا فلما زحفتم إلى القتال برز إليكم أهل الحرب والنزال من هذه المدينة فجعلوا يدوسوننا بأرجلهم وإذا اشتد الحرب عليهم والقتال يدفع الرجل منهم الرجل منا فيلقيه إليكم قال الواقدي فلما سمع الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه ذلك فرح فرحا شديدا وقال أرجو من الله أن يجعلهم غنيمة لنا قال وأخذت الحرب مأخذها وطحنت رجالها وعلا الضجيج و حمى الروم أسوارهم فلم يقدر أحد من المسلمين أن يصل إليها من كثرة السهام والحجارة قال غياث بن عدي الطائي حاربنا أهل بعلبك في أول يوم فأصيب من المسلمين اثنا عشر رجلا وأصيب من الروم على السور خلق كثير من أهل الحرب وغيرهم وانصرف المسلمون إلى رحالهم وما لهم همة إلى الطعام ولا الشراب ولا يريد أحد منا الا الاصطلاء بالنار من شدة البرد قال فبينما نحن ليلتنا نوقد النار ونتناوب في الحرس إلى الصباح فلما صلينا الفجر نادى مناد من قبل أبي عبيدة رضي الله عنه يقول عزيمة مني على كل رجل من المسلمين لا يبرز إلى حرب
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»