التي كانوا فيها أول مرة وضربوا خيامهم وانفذوا طوالعهم وأرسلوا إلى المرعى خيولهم وابلهم وسرحوا إلى الحطب عبيدهم واضرموا النيران في عسكرهم وذهب منهم الخوف وأتاهم الأمان وان أهل بعلبك افترقوا على السور وجعلوا يضربون على وجوههم ويصيحون بلغتهم فقال الأمير أبو عبيدة لبعض التراجمة ما يقول هؤلاء فقال له الترجمان أيها الأمير انهم يقولون يا ويلهم ويا عظم ما أصابهم ويا خراب ديارهم ويا فناء رجالهم حتى ظفرت العرب ببلادهم قال الواقدي فلما دنا المساء ارسل الأمير أبو عبيدة إلى سعيد بن زيد يقول له يا بن زيد الحذر الحذر على من معك من المسلمين واجتهد رحمك الله ان لا يفوتك من الروم أحد ولا تفسح لهم قدما واحدا فيخرج منهم واحدا فيتبع أولهم آخرهم فتكون كمن حصل في يده شيء فاضاعه فلما وصل الرسول إلى سعيد بن زيد بهذه الرسالة أمر المسلمين ان يحيطوا بالضيعة من كل جانب وان لا يخرجوا إلى الحطب الا مائة بالسلاح ففعلوا ذلك واضرموا نيرانهم وباتوا طول ليلتهم يهللون ويكبرون وبالضيعة يطوفون فلما نظر البطريق هربيس إلى ذلك اقبل على أصحابه ورجاله وقال لهم يا ويلكم لقد ايسنا من التدبير وأخطأنا الرأي وما لنا مدد ولا نجدة ولا نصير ولو اجتهدنا لما اجتهدت العرب على أن يحبسونا في هذه الضيعة والآن قد حبسنا أنفسنا في حبس ليس فيه طعام ولا شراب وان دام علينا هذا يوما ثانيا أو ثالثا ضعف قوينا ومات ضعيفنا وبطلت حيلتنا وسلمنا أنفسنا كارهين فنقتل عن آخرنا فقالت البطارقة فما الذي ترى أيها السيد فقال قد رأيت من الرأي ان اخدع العرب واحتال عليهم واسألهم الصلح لنا ولأهل مدينتنا كما قد طلبوا وأضمن أن افتح لهم المدينة ونكون في ذمامهم فإذا دخلنا المدينة حاربناهم على سورنا ولعلنا نرسل إلى صاحب عين الجوز والى صاحب جوسية فلعلهما يقدمان إلى نصرتنا فيكونان لقتال العرب من خارج المدينة ونحن من أعلى الاسوار ويكفينا المسيح هذه النوبة فقالت البطارقة اعلم أيها السيد ان صاحب جوسية لا يجيبك إلى نجدة ابدا لأنه مشتغل بنفسه وربما يكون محاصرا مثل حصارنا هذا فلقد بلغنا قبل نزول هؤلاء العرب علينا انهم صالحوهم القدرة وألقوه ان يقاتلوا العرب واما أصحاب عين الجوز فإنهم في تجارتهم متفرقون في أقصى الشام وما أظن الا انهم في صلح العرب فانظر لنفسك ورعيتك ما فيه الصلاح فلما سمع البطريق هربيس قولهم أجابهم إلى ذلك فلما أصبح الصباح طلع البطريق على جدار الضيعة ونادى برفيع صوته يا معاشر العرب اما فيكم رجل يعرف كلامي انا هربيس البطريق فلما سمعه بعض التراجمة اقبل على سعيد بن زيد وقال له يا مولاي ان هذا العلج هو هربيس صاحب القوم وهو يستدعي كلامك فقال له سعيد بن زيد ادن منه
(١٣٩)