فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١٣٢
وتقدمت الشجعان وشرعوا رماحهم وجردوا سيوفهم وصف هربيس رجاله وعباهم تعبيئة الحرب فقال له بعض بطارقته ما الذي تريد ان تصنع مع العرب فقال أقاتلهم لئلا يطمعوا فينا فينزلوا على مدينتنا فقالوا له الرأي عندي أن لا تقاتل العرب وارجع سالما أنت ورجالك فان أهل دمشق الشام ما قدروا عليهم ولا ردهم عساكر أجنادين ولا جيوش فسلطين وقد بلغك ما فيه كفاية مما جرى لهم بالأمس مع صاحب قنسرين وصاحب عمورية والعرب المتنصرة وكيف ردهم هؤلاء العرب على أعقابهم منهزمين والصواب انك تفوز بنفسك وبمن معك وأرجع فقال هربيس لست أفعل ذلك ولا أنهزم أمام العرب وقد بلغني أن عسكرهم الكبير على حمص مع الأمير أبي عبيدة الذي كان فيها خالد بن الوليد وهذه غنيمة ساقها المسيح لنا فقال ذلك البطريق الناصح أما انا فلست أبتع رأيك ولا أقاتل العرب ثم لوى عنان فرسه راجعا إلى بعلبك واتبعه خلق كثير من القوم واما هربيس فإنه صف رجاله وزحف يريد القتال فلما نظر أبو عبيدة رضي الله عنه ذلك وأنهم قد عولوا على الحرب صف رجاله وعساكره وقال أيها الناس اعلموا رحمكم الله تعالى ان الله قد وعدكم وأيدكم بالنصر حتى هزم أكثر هؤلاء القوم وهذه المدينة التي أنتم قاصدون إليها وسط ما فتحتموه من البلاد وأهلها قد أكثروا من الزاد والعدد والقوة فإياكم والعجب وانتصروا وأغزوا أعداء الدين وانصروا الله ينصركم وأعلموا أن الله معكم ثم حمل الأمير أبو عبيدة وحمل المسلمون قال عامر بن ربيعة وعيش عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين ما كان بيننا وبينهم الا جولة الجائل حتى ولوا الادبار وطلبوا الاسوار ودخل هربيس المدينة مع أصحابه وفيه سبع جراحات فتلقاه الذي أشار عليه لا تقاتل العرب وقال له وأين غنائم العرب التي غنمتوها فقال هربيس قبحك المسيح أتهزأ بي وقد قتلت العرب رجالي وقد جرحت هذه الجراحات فقال له البطريق ألم أقل لك انك مهلك نفسك ورجالك قال الواقدي ثم إن الأمير أبا عبيدة سار حتى نزل على بعلبك فنظر إلى مدينة هائلة وحصن حصين والقوم قد اغلقوا الأبواب وقد احرزوا أموالهم ومواشيهم في جوفها واطلع المسلمون على الأموال كأنها الجراد المنتشر قال فلما نظر الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه إلى البلد وتحصينه وامتناعه وكثرة رجاله وشدة برده وذلك أنه بلد لا يزايله البرد في الشتاء والصيف فقال الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه لخواص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الرأي في ذلك فاجتمع رأيهم على شورى واحدة وهو أن يحاصروا القوم ويضيقوا عليهم فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه أصلح الله الأمير اني أعلم أن الروم ازدحم بعضهم ببعض من كثرتهم وأظن أن المدينة لا تسعهم وأن طاولناهم رجونا من الله النصر وأن يفتحها الله على أيدينا فقال الأمير يا ابن جبل من أين علمت أن القوم يتضايقون في مدينتهم فقال أيها الأمير اني كنت أول من اسرع بجواده
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 ... » »»