معاشر النصرانية إن أهل هذا الدين من قبلكم قد فشلوا عن قتال هؤلاء العرب وعجزوا عن قتالهم ونزالهم فقالوا أيها السيد طب نفسا وقر عينا فانا كنا نخاف من العرب قبل أن نختبرهم ونعلم قتالهم وقد علمنا أنهم إذا لاقوا حربنا لم يكونوا أصبر منا على الحرب لان أحدهم يلقي الحرب وعليه ثوب خلق خام أو فروة خلقة ونحن علينا الدروع والزرد وقد وهبنا أنفسنا للمسيح قال الواقدي فلما نظر أبو عبيدة إلى كثرتهم نادى برفيع صوته يا معاشر المسلمين لا تفشلوا فتذهب ريحكم واصبروا ان الله مع الصابرين قال وان الروم داخلهم الخوف لما كانوا قد نالوه من غرة المسلمين بالأمس فحملوا حملة عظيمة قال سهل بن صباح العبسي شهدت قتال أهل بعلبك وقد خرج الينا أهلها في اليوم الثاني وهم أطمع مما كانوا في اليوم الأول وقد حملوا علينا حملة عظيمة شديدة منكرة وكنت في ذاك اليوم أصابني جرح في عضدي الأيمن وما أطيق أن أحرك يدي ولا أحمل سيفا فترجلت عن جوادي وجريت بين أصحابي وقلت في نفسي إذا قصدني أحد من هؤلاء الاعلاج لم يكن لي غنى ادفع عن نفسي فطلعت إلى ذروة الجبل فعلوته وأشرفت على العسكرين وجعلت انظر إلى حربهم وقتالهم وقد طمعت الروم في العرب والمسلمون ينادون بالنصر وأبو عبيدة يدعو لهم بالنصر والتحمت القبائل وافتخرت العشائر قال سهل بن صباح وأنا على الجبل من وراء حجر انظر إلى ضرب السيوف على البيض والحجف والشرر يطير من شعاعها وقد التقى الفريقان واختلط الجمعان فقلت في نفسي ويحي وما عسى ان ينفع المسلمين مقام سعيد بن زيد وضرار بن الأزور على الأبواب والأمير أبو عبيدة في مثل هذا الحرب وأنهم والله على وجل أن ينكشفوا من عظم شدتهم وحربهم وهول ما يلقونه قال فأسرعت إلى جراثيم الشجر فجعلت أكسرها وأعبي الحطب بعضه على بعض وعمدت إلى زناد كان معي فأوقدت النار واضرمتها فيه وعبيت عليه حطبا اخضر ويابسا حتى علا منه دخان عظيم وكانت علامتنا إذا أردنا ان يجتمع بعضنا إلى بعض بأرض الشام في الليل وقود النار وإثارة الدخان قال فما هو الا ان علا الدخان وتصاعد إلى الأفق حتى نظراليه سعيد بن زيد وأصحابه وضرار بن الأزور وأصحابه فنادى بعضهم بعضا الحقوا الأمير أبا عبيدة رحمكم الله فان هذا الدخان ما هو الا من شيء عظيم والصواب ان نكون بخيلنا في موضع واحد فأسرعوا بخيلهم وساروا حتى أشرفوا على المسلمين وهم في شدة الحرب وأعظم الكرب وقد بلغت القلوب الحناجر وعملت السيوف البواتر وإذا بمناد هتف بهم يا حملة القرآن جاءكم النصر من الرحمن ونصرتم على عبدة الصلبان وإذا قد اشرف عليهم سعيد بن زيد وضرار بن الأزور في أوائل خيلهم وقد شرعا سنانهما وحملا في الروم وقد أيقن الروم انهم الغالبون إذ ظهرت عليهم رايات المسلمين وكتائب المواحدين فالتفتوا ينظرون ما الخبر وإذا بالمسلمين من ورائهم وقد حالوا بينهم وبين
(١٣٦)