فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١٣٨
المسلمين منحدر من الجبل وهو ينادي النفير النفير يا أمة البشير النذير أدركوا اخوانكم المسلمين فقد أحاط بهم الروم وهم في أشد ما يكون من القتال وانه قد دنا البطريق من المسليمن ونادى بأصحابه ورجاله وقال يا عباد المسيح إليكم هذه الشرذمة اليسيرة والعصابة الحقيرة التي قد أحاطت بكم فاقتلوهم وادخلوا المدينة فإنكم ان قتلتم القوم كسرتم بذلك حدة العرب وانصرفوا عنكم قال مصعب بن عدي وكنت في بعلبك من أصحاب سعيد بن زيد وقد جعلنا محاصرين البطريق والروم في الضيعة ونحن دون الخمسمائة رجل فما شعرنا الا والبطريق والروم قد تبادروا الينا من كل مكان فنادى بعضنا بعضا واجتمعنا قال والله لقد كبوا علينا الخيل وأحاطوا بنا بعد ما كنا احطنا بهم وكان شعارنا في ذلك اليوم الصبر الصبر قال فبينما نحن كذلك في أشد الحرب وأعظم الكرب إذ سمعنا صوتا عاليا قد ملأ الجبل ومناديا ينادي ويقول اما من رجل يهب نفسه في الله ويسنفر المسلمين فإنهم بالقرب منا ولا يعلمون ما نزل بنا قال مصعب بن عدي فلما سمعت الصوت همزت جوادي بكعبي وكان جواد عتيقا يسبق الريح الهبوب أو الماء إذ انسكب من ضيق الأنبوب وكأنه الطود العظيم والله لقد خرج من تحتي كأنه البرق ولم تلحق منه الروم الا الغبار بعد ما قتلت منهم رجلين ولقد نظرت إلى فرسي وهو يشب الصخرة ويسلك الوعرة حتى أشرفت على عساكر المسلمين فناديت النفير النفير يا أمة البشير النذير فلما سمع أبو عبيدة ذلك صاح بالرماة فأجابه خمسمائة رام من أصحاب القسي العربية فضمهم إلى سعيد بن زيد وقال له اسرع يرحمك الله والحق بأصحابك قبل ان يأتي العدو إليهم ثم نادى بضرار بن الأزور وأصحابه وقال له أدرك أخاك سعيد بن زيد قال فسار المسلمون مثل الجراد المنتشر حتى علوا على قلة الجبل واشرفوا على الروم وهم محدقون بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو زيد بن ورقة بن عامر الزبيدي وكنت ممن شهد القتال على الضيعة مع أصحاب سعيد بن زيد وقد أحاطت بنا الروم وقد صبرنا لهم صبر الكرام وقد صرع منا سبعون رجلا ما بين جريح وقتيل ونحن في أشد ما يكون من القتال والجراح وقد طمعت الروم فينا حتى سمعنا التهليل والتكبير ولحقنا النفير فلما أشرفت علينا راية المسلمين رجعت الروم على أعقابهم مدبرين إلى الضيعة راجعين ولحقنا من تأخر منهم وكثر فيهم القتل والجراح لكثرتهم وتحصن القوم في الضيعة فأحطنا بهم من كل جانب وما تركنا منهم أحدا يخرج رأسه من كثرة النبل وورد الخبر إلى الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه بمن استشهد من المسلمين ومن قتل من الكافرين وان القوم قد لزمهم الحصار وان لا زاد عندهم ولا ماء فقال أبو عبيدة الحمد لله ثم قال للمسلمين معاشر الناس ارجعوا إلى أموالكم واضربوا خيامكم حول المدينة فان الله عز وجل كاد عدوكم وهو منجز لنا ما وعدنا من نصره قال فعندنا رجع المسلمون إلى أموالهم ومواضعهم
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»