فيستد في بلدهم. وفي المدينة الثانية حوض عظيم، فإذا جمعهم الملك لحضور مائدته حمل كل رجل ممن يحصره من منزله شرابا يختاره، ثم صبه في ذلك الحوض، فإذا جلسوا للشراب كل واحد شرابه الذي حمله من منزله. وفي المدينة الثالثة طبل معلق على بابها، فإذا غاب من أهلها انسان وخفي أمره على أهله وأحبوا أن يعلموا أحي صاحبهم أم ميت، ضربوا ذلك الطبل، فإن سمعوا له صوتا فإن الرجل حي، وإن لم يسمعوا له صوتا فإن الرجل قد مات.
وفي المدينة الرابعة مرآة من حديد، فإذا غاب الرجل عن أهله وأحبوا أن يعرفوا خبره على صحته، أتوا تلك المرآة فنظروا فيها فرأوه على الحال التي هو فيها. وفي المدينة الخامسة أوزة من نحاس على عمود من نحاس منصوب على باب المدينة، فإذا دخلها جاسوس صوتت الأوزة بصوت سمعه جميع أهل المدينة، فيعلمون أنه قد دخلها جاسوس. وفي المدينة السادسة قاضيان جالسان على الماء، فإذا تقدم إليهما الخصمان وجلسا بين أيديهما غاص المبطل منهما في الماء. وفي المدينة السابعة شجرة من نحاس ضخمة كثيرة الغصون لا تظل ساقها، فإن جلس تحتها واحد أظلته إلى ألف نفس، فإن زادوا على الألف، ولو بواحد، صاروا كلهم في الشمس. قلت وهذه الحكاية كما ترى خارقة للعادات، بعيدة من المعهودات، ولو لم أجدها في كتب العلماء لما ذكرتها. وجميع أخبار الأمم القديمة مثله، والله أعلم.
بابليون: الباء الثانية مكسورة، واللام ساكنة، وياء مضمومة، وواو ساكنة، ونون: هو اسم عام لديار مصر بلغة القدماء. وقيل هو اسم لموضع الفسطاط خاصة، فذكر أهل التوراة أن مقام آدم، عليه السلام، كان ببابل، فلما قتل قابيل هابيل مقت آدم قابيل فهرب قابيل بأهله إلى الجبال عن أرض بابل فسميت بابل، يعني به الفرقة، فلما مات آدم، عليه السلام، ونبئ إدريس، عليه السلام، وكثر ولد قابيل في تلك الأرض، وأفسدوا ونزلوا من جبالهم، وخالطوا أهل الصلاح، وفسدوا بهم، دعا إدريس ربه أن ينقله إلى أرض ذات نهر مثل أرض بابل، فأري الانتقال إلى أرض مصر، فلما وردها وسكنها واستطابها اشتق لها اسما من معنى بابل، وهو الفرقة، فسماها بابليون، ومعناها الفرقة الطيبة، والله أعلم.
وذكر عبد الملك بن هشام صاحب السيرة في كتاب التيجان في النسب من تصنيفه: بابليون كان ملكا من سبأ، ومن ولده عمرو بن امرئ القيس، كان ملكا على مصر في زمن إبراهيم الخليل، عليه السلام، وقال أبو صخر الهذلي:
وماذا ترجي بعد آل محرق، عفا منهم وادي رهاط إلى رحب خلوا من تهامي أرضنا، وتبدلوا بمكة بابليون والربط بالعصب وقال كثير بن عبد الرحمن يرثي عبد العزيز بن مروان:
فلست، طول الدهر، ما عشت ناسيا عظاما، ولا هاما له قد أرمت جرى بين بابليون، والهضب دونه، رياح أسفت بالنقا وأشمت سقتها الغوادي والروائح خلفة، تدلين علوا والضريحة لمت وقد أسقط عمران بن حطان منه الألف في قوله يذكر قوما من الأزد نفاهم زياد ابن أبيه من البصرة،