بعضهم ما أطيب هذا الطعام ما نرى أن أحدا رأى أكثر منه ولا أطيب فقال أعرابي من ناحية القوم أما أكثر فلا وأما أطيب فقد والله أكلت أطيب منه فطفقوا يضحكون من قوله فأشار إليه عبد الملك فأدني منه فقال ما أنت بمحق فيما تقول إلا أن تخبرني بما تبين به صدقت فقال نعم يا أمير المؤمنين بينا أنا بهجر في تراب أحمر في أقصى (1) حجر إذ توفي أبي وترك كلا (2) وعيالا وكان له نخل وكان فيه نخلة لم ينظر الناظرون إلى مثلها كأن ثمرها أخفاف الرباع (3) لم ير قط أغلظ لحاء ولا أصغر نوى ولا أحلى حلاوة منها وكانت تطرقها أتان وحشية قد ألفتها تأوي بالليل تحتها فكانت تثبت (4) رجليها في أصلها وترفع يديها وتقطع بفيها فلا تترك بها إلا النبذ والمتفرق فأعظمني ذلك ووقع مني كل موقع فانطلقت بقوسي وأسهمي وأنا أظن أني راجع من ساعتي فمكثت يوما وليلة لا أراها حتى إذا كان السحر أقبلت فتهيأت لها فرشقتها (5) فأصبتها وأجهزت عليها ثم عمدت إلى سرتها فاجتززتها ثم عمدت إلى حطب جزل فجمعته إلى رضف وعمدت إلى زندي فقدحت وأضرمت النار في ذلك الحطب وألقيت سرتها فيها وأدركني نوم السبات فلم يوقظني إلا حد الشمس في ظهري فانطلقت إليها فكشفتها وألقيت ما عليها من قذى ورماد ثم قلبت مثل الملاءة البيضاء فألقيت عليها من رطب تلك النخلة المجزعة (6) والمنصفة فسمعت لها أطيطا كتداعي عامر وغطفان ثم أقبلت أتناول الشحمة واللحمة فأضعها بين التمرتين فأهوي إلى فمي فيما أحلف أني ما أكلت طعاما قط مثله فقال له عبد الملك لقد أكلت طيبا فممن أنت قال أنا رجل جانبتني عنعنة تميم وأسد وكشكشة وربيعة وحوشي أهل اليمن وإن كنت منهم قال فمن أيهم أنت قال من أخوالك من عذرة قال أولئك فصحاء الناس فهل لك علم بالشعر قال سلني عما بدا لك يا أمير المؤمنين قال أي بيت قالت العرب أمدح قال قول جرير (7)
(١٦١)