ومنها: العالي سندا، وهو قليل الواسطة مع الإتصال.
ويحكى أن طلب علو الإسناد كان سنة عند أكثر السلف، حتى كانوا يرحلون - أي المشايخ - في أقصى البلاد لأجل ذلك. وثمرته واضحة؛ فإنه كلما قلت الواسطة يبعد الحديث عن احتمال الخلل المتطرق إلى كل راو؛ فإن كل واحد من رجال السند إذا لم يكن معصوما جائز الخطأ فكلما كثرت الوسائط كثرت مظنة الخطأ وكلما قلت، قلت.
نعم، قد يكون طويل السند واجدا لمزية مفقودة في العالي سندا كما لو كانت الوسائط القليلة مجهولة أو متصفة بأسباب رد الخبر، والطويلة متصفة بأسباب قبوله. لكن ذلك أمر خارجي لا مدخلية له فيما نحن بصدده، كما أن القول بترجيح طول السند مطلقا - نظرا إلى أن كثرة البحث تقتضي المشقة فيعظم الأجر - من ذلك القبيل، بل وأنزل.
وللعلو أقسام، أعلاه قرب الإسناد من المعصوم بالنسبة إلى سند آخر طويل، ثم قرب الإسناد من أحد من أئمة الحديث كالكليني والشيخ والصدوق وأضرابهم، كما لو كانت الوسائط بين هؤلاء الأئمة وبين المعصوم في الحديثين متساوية وكانت الواسطة بيننا وبين تلك الأئمة في أحدهما أكثر، ثم أقدمهما سماعا فإنه أعلى من المتأخر سماعا وإن اتفقا في العدد الواقع في الإسناد أو في عدم الواسطة بأن كانا قد رويا عن واحد في زمانين مختلفين لقرب زمانه من المعصوم.
وربما يزاد معنى رابع، وهو تقدم وفاة الراوي؛ فإنه أعلى من إسناد آخر يساويه في العدد مع تأخر وفاة من هو في طبقته عنه.
ولا يساعد دليل على اعتبار العلوين الأخيرين، ولا سيما الأخير، وإن حكي اعتبارهما عن بعض أئمة الحديث.
ثم إن اعتبار الثاني أيضا لأمثالنا خال عن الدليل بعد ثبوت كون الكتب