وما يتراءى من عدم تأمل المشهور - على ما حكي - في مثل يعقوب بن يزيد وحذيفة بن منصور ونحوهما من هذه الجهة، فلعله لعدم مقاومتها التوثيق المنصوص أو المدح المنافي باحتمال كونها بإذنهم (عليهم السلام) أو تقية وحفظا لأنفسهم أو غيرهم أو اعتقاد الإباحة أو غير ذلك من الوجوه الصحيحة.
إلا أن يقال: - بعد ثبوت كون مقلد هذه الأعمال من المسلمين - لا يمكن الجزم بتحقق هذه الأعمال منهم على وجه الفساد، بل لا يجوز القدح بمجرد ذلك؛ لما تقرر من أن الأصل في أعمال المسلمين الصحة ولا عبرة بالظن الحاصل من الغلبة، ولا سيما بعد ملاحظة ما ورد منهم: " ضع أمر أخيك على أحسنه " (1) و " كذب سمعك وبصرك ما تجد إليه سبيلا " (2) ونحوهما.
ومنها: قولهم: " فلان كان يشرب النبيذ "، بل قد يذكر ذلك في الأجلة أيضا، وفي بعضهم كانوا يأكلون الطين كما في داود بن القاسم.
وكونه موجبا للقدح في غير الأجلاء واضح إلا أن يلاحظ القاعدة المذكورة (3) فيحمل مثل صدور شرب النبيذ المحرم عنهم أو عن الإجلاء - على فرض الثبوت - على أن النبيذ لم يكن من النبيذ المحرم كما يظهر من بعض الأخبار، أو كانوا جاهلين بالحرمة، أو كان ذلك في الأجلة قبل وثاقتهم وجلالتهم، فيكون حالهم حال الثقات والأجلة الذين كانوا فاسدي العقيدة ورجعوا. وكذلك الكلام في الطين.
ولعل السر في أن أهل الرجال لم يذكروا في تراجمهم أنهم فساق بل ذكروا شربهم النبيذ وتقليدهم كتابة الخليفة ونحوهما لعدم جواز الحكم بالفسق بمجرد ذلك. والله أعلم.