ومن حقه بحيث يصير مدلسا لا كاذبا أن لا يقول: " حدثنا " ولا " أخبرنا " وما أشبههما؛ لأنه كذب، بل يقول: " قال فلان " أو " عن فلان " أو " حدث " أو " أخبر فلان " فإن أمثال هذه العبارات وإن كانت أعم من السماع بلا واسطة لكنها موهمة له، فيكون مدلسا لا كاذبا.
وربما لا يسقط المدلس شيخه، ولا يوقع التدليس في ابتداء السند، لكن من بعده رجلا غير مقبول الرواية ليحسن الحديث بذلك.
وإما في الشيوخ كما لو روى حديثا عن شيخ سمعه منه لكن لا يحب معرفة ذلك الشيخ لغرض، فيسميه أو يكنيه باسم أو كنية غير معروف بهما، أو ينسبه إلى قبيلة أو بلد غير معروف بهما، أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف.
والتدليس الأول مذموم جدا؛ لما فيه من إيهام اتصال السند مع كونه مقطوعا، بل عن بعض أن التدليس أخ الكذب.
وفي جرح فاعله بذلك أقوال: مما ذكر؛ ومن أن التدليس ليس كذبا بل تمويه فلا يضر بالوثاقة، وعلى الأول يترك حديث المعروف بالتدليس، وإن لم يعلم التدليس في ذلك الحديث، وعلى الثاني يرد ما فيه ذلك فقط، ومن أن التدليس غير قادح في العدالة فإن صرح بالاتصال ك " حدثنا " و " أخبرنا " قبل، وإن أتى بالمحتمل - كما سبق - فهو في حكم المرسل؛ لحصول الريبة في الإسناد ولعله الأجود.
ويعلم عدم اللقاء، الموجب للتدليس بإخباره بنفسه بذلك، وبجزم العالم المطلع عليه. ولا يكفى في ذلك وقوع الزيادة في بعض الطرق؛ لاحتمال أن يكون من المزيد.
والتدليس الثاني أخف من الأول إن لم يوجب إيهام غير مقبول الرواية بمقبولها؛ لأن ذلك الشيخ مع الإغراب به إن عرف فيرتب عليه ما يلزم، وإن لم يعرف يصير الحديث مجهول السند فيرد، لكن فيه تضييع للمروي عنه