اما لوجود مانع عن التقييد اثباتا أو لمصلحة في تأخير بيان الأمد، إذ لا يجب عقلا بيان امد كل حكم عند جعله وتشريعه فالحكم في الفرض موقت ثبوتا ظاهر في الدوام اثباتا، فيكون نسخه دفعا ثبوتيا ورفعا اثباتيا; وهذا القسم لا يقبح من الحكيم تعالى بل قد يحسن ويجب وما يدعى وقوعه في الشريعة من هذا القسم فلا محذور.
الثاني: لا اشكال في وقوع النسخ بالنسبة إلى أصل شريعة ودين فكلما كانت تحدث شريعة في الأزمنة السابقة كانت تنسخ الشريعة التي قبلها بمعنى رفع عدة من احكامها لا رفع جميعها، ولذا قيل إن النسخ رفع المجموع لا رفع الجميع.
واما نسخ بعض الاحكام في شريعة مع بقاء اصلها فقد ادعى وقوعه في شرعنا وعد لذلك موارد لا يسلم أغلبها من الخدشة والمسلم من ذلك قوله تعالى: " يا ايها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فان لم تجدوا فان الله غفور رحيم " فإنها نسخت بقوله تعالى في الآية اللاحقة لها: " أأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجويكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة الخ ".
بيانه ان الله تعالى أوجب على كل من أراد التكلم والنجوى مع النبي الأعظم " صلى الله عليه وآله " ان يتصدق قبل ذلك شيئا على الفقراء، فلما ظهر اشفاق الناس من ذلك وتركوا النجوى واخذ الاحكام بخلا بالمال نسخ الحكم وتاب على المشفقين فالآية الأولى منسوخة والثانية ناسخة لها وروى الصدوق عن علي " عليه السلام " أنه قال في عداد مناقبه واما الرابعة والعشرون فان الله انزل على رسوله: " يا ايها الذين آمنوا.. " فكان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت رسول الله " صلى الله عليه وآله " أتصدق قبل ذلك بدرهم والله ما فعل هذا أحد غيرى من أصحابه قبلي ولا بعدي فانزل الله: " أأشفقتم الخ. "