الامارة (فربما يقال) بأن مقتضى الأصل أيضا هو التخيير لان في سلوك كل واحد من الطريقين المتعارضين مصلحة يجب استبقاؤها لو كان ممكنا ولكن حيث لا يمكن سلوك كلاهما لأنه مستلزم لاجتماع الضدين أو النقيضين فالعقل يحكم بلزوم استيفاء إحدى المصلحتين لأنه ممكن وهذا هو التخيير (وفيه) أن المصلحة السلوكية على القول بها قائم بسلوك الطريق بما هو طريق لا العمل على طبق قول الثقة ولو لم يكن طريقا (وبعبارة أخرى) مورد هذه المصلحة ومركزها هو سلوك ما جعله حجة وطريقا فهذه المصلحة في الحقيقة عبارة عن إعطاء المولى شيئا من كيسه لأجل تدارك ما فات من العبد من مصلحة الواقع بسبب جعل هذه الامارة حجة وطريقا فإذا سقط طريقيته بواسطة التعارض فليس هناك طريق حتى يكون لسلوكه مصلحة ففي مورد التعارض ليس مصلحة سلوكية في البين حتى تكون موجبة لحكم العقل بالتخيير في استيفاء إحدى المصلحتين (وحاصل الكلام) أن التخيير بحكم العقل على تقدير ثبوته بين المصلحتين وعدم اختصاصه بمورد الحكمين المتزاحمين لا يكون إلا فيما إذا كان هناك مصلحتان لا يمكن استيفائهما ويمكن استيفاء أحدهما غير المعين وأما فيما نحن فيه حيث أن المتعارضين سقطا عن الطريقية فليس في سلوكهما مصلحة حتى يحكم العقل بالتخيير في استيفاء أيهما شاء.
(هذا كله) فيما إذا كان مؤدى الامارات هي الأحكام الشرعية وأما الامارات بالنسبة إلى الموضوعات الخارجية فالقول بالسببية فيها ينبغي أن يضحك عليه لا أن يذكر أو يسطر في كتاب.
(الامر التاسع) في أن ما قلنا من سقوط الخبرين المتعارضين كان بمقتضى الأصل والقواعد الأولية وإلا فبمقتضى الاخبار العلاجية الواردة في هذا الباب فلا إشكال في عدم تساقطهما مع عدم وجود مرجح ومزية لأحدهما