(الثاني) في أن الاستصحاب هل هو من المسائل الأصولية أم لا؟
(أقول) قد تكرر منا في هذا الكتاب أن المدار في كون المسألة أصولية أن تكون نتيجة البحث عنها تقع كبرى في قياس يستنتج منه الحكم الكلي الشرعي الفرعي ولو كانت النتيجة - أي: الحكم المستنتج من ذلك القياس - وظيفة عملية كما هو كذلك في باب جريان الأصول العملية ولا شك في أن الاستصحاب في الاحكام الكلية تكليفية أم وضعية نتيجة البحث عنه تقع كبرى في قياس يستنتج منه الحكم الشرعي الكلي الفرعي، مثلا الفقيه في بقاء نجاسة الماء المتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجس بعد زوال التغير من قبل نفسه - لا بوصول المطهر إليه - يثبت نجاسته بالاستصحاب، وهكذا إذا شك في بقاء حلية شرب العصير التمري أو الزبيبي بعد الغليان وقبل أن يذهب ثلثاه يستنتج بقاء حليته بالاستصحاب إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة في جميع أبواب الفقه، وهذا المعنى - أي: كون الاستصحاب من المسائل الأصولية - ليس مخصوصا بأن يكون مستفادا من الاخبار وبأن يكون من الوظائف العملية التي حكم الشارع بها في طرف الشك في بقاء المتيقن السابق حكما كان أو موضوعا ذا حكم شرعي، بل هو كذلك بناء على القول بكونه حجة من باب الظن بالبقاء (لأنه) حينئذ يكون حاله حال سائر الأمارات الظنية التي جعلها الشارع حجة، ولو كان من باب بناء العقلا على حجيته و عدم ردع الشارع عنه، بل كونه من المسائل الأصولية بناء على حجيته من باب إفادة اليقين السابق الظن بالبقاء أوضح (لأنه) بناء على هذا يقع في طريق الاستنباط الحكم الشرعي ويكون حاله حال الخبر الواحد الذي هو حجة الذي لا كلام في أنه من المسائل الأصولية و عليه يدور رحى الاستنباط (ولا يخفى) أن ما قلنا من كون الاستصحاب مسألة أصولية هو فيما إذا كان في الاحكام الكلية، وأما في الموضوعات الخارجية فهو