بواسطة ترك التعلم كما هو الحال في الجهلة الغافلين، وإما من جهة عدم إمكان الاحتياط بالنسبة إلى الجاهل المحض، خصوصا بالنسبة إلى العبادات المخترعة، فمن لم يعرف شيئا من الصلاة مثلا لا من أجزائها ولا من شرائطها ولا من موانعها كيف يمكن أن يحتاط بالنسبة إليها، وإما من جهة القول بأن الامتثال الاجمالي لا يكفي مع إمكان الامتثال التفصيلي. ففي جميع هذه الصور وعلى هذه التقادير كلها يكون مناط وجوب التعلم هو بعينه مناط لزوم إتيان سائر المقدمات المفوتة، وأما فيما عدا ذلك فحيث أن تركه لا يوجب ترك الواجب في وقته بل يمكن أن يأتي به في ذلك الوقت، ولو كان إتيانه بطور الامتثال الاجمالي والاحتياط، فليس من صغريات المقدمات المفوتة ولا يكون مناط وجوبه ذلك المناط، بل مناط وجوبه حينئذ هو حكم العقل بأن وظيفة العبد هو تعلم الاحكام و الفحص عن المخصصات بالنسبة إلى العمومات وعن المقيدات بالنسبة إلى المطلقات.
و (بعبارة أخرى) للمولى وظيفة - وهي بيان أوامره ونواهيه وسائر أحكامه فلو أخل بوظيفته ولم يبين أحكامه فليس له أن يعاقب العبد أو يعاتبه لان العقاب بلا بيان قبيح - وللعبد وظيفة وهو الفحص عن الاحكام الصادرة عن المولى في مظانها وتعلمها لكي يعمل بها، ولا فرق في هذا الحكم العقلي بين المجتهد والعامي، غاية الامر تعلم المجتهد بالرجوع إلى الأدلة التفصيلية وتعلم العامي بالرجوع إلى الدليل الاجمالي، وهو فتاوى مقلده، فيجب على كل مكلف وجوبا عقليا تعلم الاحكام حسب وظيفة العبودية إما اجتهادا أو تقليدا.
ثم إن هذا الوجوب العقلي هل يكون مستتبعا لوجوب شرعي مولوي غيريا كان أم نفسيا بكلا معنييه أي النفسي بمعنى كونه مطلوبا بنفسه لملاك فيه أو لكونه طريقا إلى تحصيل ما هو ذو الملاك؟ الظاهر أنه إرشادي محض.
أما عدم كونه غيريا فواضح لان وجوبه قبل حصول وقت وجوب ذي المقدمة بل قبل البلوغ إذا كانت أعماله في أول البلوغ متوقفة على التعلم قبله، وهذا أحد