تقدم اليقين على الشك بحسب الزمان لما دل شئ منها على المطلوب أيضا، اللهم إلا أن يدعى اشتمالها على ما يصرف عن ظهوره، ولكن الاشكال الذي يكون في المقام هو إنه لابد للشك المذكور في الكلام من متعلق يرجع إليه الضمير المقدر، فحينئذ إن كان الضمير راجعا إلى القطعة التي عرض عليها اليقين على نحو الدقة، فلا بد حينئذ من اختلاف زمان اليقين والشك فينطبق على قاعدة اليقين، وإلا يلزم اجتماع الضدين، وإن كان راجعا إليه بنحو المسامحة فيلائم إفادة الاستصحاب، وبعبارة أخرى فتارة يكون متعلق اليقين والشك بالنظر الدقي فيكون زمان اليقين وزمان الشك مختلفين، فينطبق على قاعدة اليقين، وتارة يكون مرجع الضمير واحدا بالنظر المسامحي فلا بأس في اتحاد الزمانين، فالرواية دالة على الاستصحاب، فإن الشك في بقاء ما تعلق بحدوثه اليقين شك في ذات معروض اليقين، فعروضهما واحد ذاتا ومتعدد اعتبارا وحدا، فإن معروض اليقين حدوث الشئ ووجوده الابتدائي ومتعلق الشك بقائه واستمرار وجوده، فالموجود الحادث الباقي واحد ذاتا، ويجوز أن يقال إنه متيقن ومشكوك فيه باعتبار تعدده الاعتباري ولا دخل للزمان والمكان ولا الإضافة في هذا التعدد، فما في بعض العبارات من إن متعلق الشك هو وجود ذلك الشئ في الان الثاني والثالث فهو من باب الإشارة وبيان الشئ بلوازمه، بداهة إن الموجود في الزمان لا تقيد له بالزمان، ولا يتعدد إلا بتخلل العدم بين وجوديه، وإلا فالوحدة ثابتة له وإن استمر وجوده من أول الدنيا إلى فنائها، ويتصور فيه التعدد من حيث الحدوث والبقاء وإن لم يكن في وعاء الزمان، فنفس ذلك الشئ متيقن ومشكوك بالنظر المسامحي عند الاستصحاب، فهذا نظير الماء الواحد المتلون بعضه بالبياض وبعضه بالسواد، فالأسود منه غير الأبيض دقة، ولكن المعروض لكليهما عند المسامحة هو الماء الواحد، فحيث إن لحاظ رجوع الضمير إلى متعلق اليقين دقة مغاير للحاظ رجوعه إليه تسامحا، ولا جامع بينهما على ما سيظهر إن شاء الله تعالى، ولا دلالة في نفس الضمير المقدر على شئ منهما، فتصير الرواية مجملة لا دلالة فيها على الاستصحاب ولا على القاعدة، هذا غاية ما يمكن أن يؤتى به لنفي دلالتها على الاستصحاب أيضا، إلا إنه يصح لنا إثباتها من جهة أخرى وهي ما مر في المشتق من أن ظاهر الخطابات إن ظرف النسبة
(٢٠٧)