وعلى هذا يكون الاستصحاب واردا على ساير الأصول لا حاكما ومع تسليم عدم الأعمية يلزم الالتزام بالمعارضة بينهما لانتفائه الحكومة والورود، والعجب ممن قال بحكومته على ساير الأصول مع اختياره مرآيته اليقين للمتيقن، والحاصل انه تبين ان الابقاء عبارة عن معنى اصداري وهذا يلازم بان الفاعل كان منشأ للايجاد ولو بواسطة حكمه فتارة يكون المنشأ هو العقل فمنشأ ايجاده وابقائه ليس إلا حكمه بالملازمة بين البقاء والحدوث فيصدق الابقاء لكنه مستند إلى حكم العقل فتكون حينئذ حقيقة الاستصحاب من الاحكام العقلية الغير المستقلة وتارة يكون المنشأ هو الشرع فيكون الاستصحاب من الاحكام التعبدية بواسطة حكم الشرع وتارة يكون منشأ الابقاء هو بناء العقلاء وجريهم على طبق الحالة السابقة فالابقاء يكون مستندا إلى العقلاء فمفهوم الابقاء منطبق على الاستصحاب على جميع المباني على اختلافها، فتبين ان الابقاء مستعمل في معنى واحد انما الاختلاف بحسب الإضافات والأسباب ولا يوجب هذا اختلافا في المفهوم فيصدق حينئذ ان تعريف الشيخ العلامة الأنصاري (قده) كان أسد التعاريف وأخصرها ولو يرد على تعريفه اشكال من جهة أخرى.
ثم لا يخفى ان الحكم الجزمي بالملازمة بين الشيئين لا يقتضي الجزم بوجود اللازم ووجود الملزوم بخلاف الجزم بوجود اللازم فإنه يقتضي الجزم بوجود الملزوم كالقطع بوجود الضوء المقتضى للقطع بوجود الشمس وكذا العكس فلو كان الاستصحاب عبارة عن الظن بالبقاء للملازمة بين الحدوث والبقاء فلا يكاد ينفك عن الظن بالملزوم فيكون التعريف دالا على جميع أركان الاستصحاب من اليقين بالحدوث والشك اللاحق واتحاد القضية المتيقنة مع المشكوكة ويعبر عنه بوحدة الموضوع، ثم انه لو قيل بحجية الاستصحاب من باب الظن فالظاهر من الظن هو الظن الشخصي لان الاحكام العقلية التي هي عبارة عن التصديق بالملازمات أو غيرها فعلية فما ينشاء منها فهو فعلى أيضا فإذا كان المراد من الظن هو الظن الشخصي، فيورد عليه بأنه ربما ينتهي الامر حينئذ إلى الظن بالنقيضين مثلا إذا كان في الحوض مقدار من الماء أزيد من الكر فأخذ منه مقدار حتى بلغ إلى حد مخصوص نصفه أو ثلثه أو ربعه مثلا