ومزجه بها مزجا، تحتاج فيه تصفية كل من الكلامين عن الاخر إلى إمعان النظر والبحث عن مسألة التجري وظيفة من يقول: بأن العقاب أو الثواب في المعصية والاطاعة الحقيقيتين على الفعل. واما من يقول: بأنهما على القصد أو على تلك الخصوصية الذاتية المستتبعة للقصد، ففي راحة عن هذا البحث. وأيضا نزاع القائلين بترتبهما على الفعل نزاع صغروي، فإنهم مع قصدهم الثواب والعقاب على الإطاعة والمعصية الحقيقيتين، يبحثون عن ترتبهما على التجري والانقياد بحثا صغرويا، وهو:
ان القطع بحرمة شئ ليس بحرام، أو وجوب شئ ليس بواجب، هل يوجب انقلاب الفعل عما هو عليه من الحسن والقبح، بتأثير منه في ذلك، وكذلك يوجب انقلاب الذي كان عليه، فيصير الفعل المباح بالقطع بحرمته قبيحا وحراما، ويكون إتيانه حينئذ معصية، فيستحق عقاب العصاة. وكذلك جانب القطع بالوجوب، أو لا يوجب الانقلاب، وليس القطع من العناوين المؤثرة في الحسن والقبح والايجاب و التحريم.
والحاصل: ان النزاع واقع في أنه هل من العناوين القبيحة فعل مقطوع القبح، وبالملازمة يثبت تحريمه شرعا، ثم يترتب عليه استحقاق العقاب؟ والانصاف: ان سلب كونه من العناوين القبيحة ليس بذلك الوضوح، بل لا تبعد دعوى ذم العقلا على إتيان ما يعتقد الشخص قبحه، فلو أرسل العبد ماء أو أجج نارا أو ألقى حائطا، باعتقاد ان ذلك يقع على مولاه ويهلكه، وكذا لو أرسل إليه سبعا أو ألقى نفسه من شاهق، فإنه يذم في كل ذلك على فعله، فيكشف ذلك عن قبحه، وحيث انه لا قبح في ذاته، يكشف ذلك عن أن القبح قد أتى إليه من قبل وصف القطع بالقبح.
نعم، فيما إذا تجري بفعل واجب أو ترك حرام، لا يبعد من عدم استحقاق الذم واللوم على الفعل، وإن كان ملوما من حيث الخبث الفاعلي، أو يوازن بين جهات الواقع وجهات التجري، فيحكم بتأثير الأقوى منهما ملاكا، فيمكن على ذلك اتصاف الفعل المتجري به بكل من الأحكام الخمسة، كما ذهب إليه بعض الفحول.