لأنه صادر بذلك القصد غير الاختياري، والمعلول لأمر غير اختياري، غير اختياري. فليس إشكال العقاب على أمر غير اختياري مختصا بالعقاب على القصد، إلا أن يقال: إن الاختياري حيث ما يطلق، يراد منه ما كان صادرا عن مبدأ العلم بالصلاح والخير، مقابل الاضطراري الصادر لا عن هذا المبدأ، وهذا هو الذي يترتب عليه الثواب والعقاب في حكم العقل، وهو حاصل في الفعل وغير حاصل في القصد، وإلا لزم التسلسل، إلا أن يلتزم بأن اختيارية القصد بنحو آخر وبنفس ذاته لا بقصد آخر، كي يلزم التسلسل، واما ما ذكره المصنف (قده)، من:
ان بعض مبادئ الاختيار غالبا يكون بالاختيار، وان لم يكن مبدأه الأول، أعني تصور الفعل، وكذا مبدأه الثاني، أعني الميل إليه بالاختيار، وقد أوضح ذلك في حاشيته على الرسائل.
ففيه: مع أن الغلبة لا تجدي لأن المفروض استحقاق العقاب دائما ان إشكال التسلسل وارد عليه ولا يكاد يتخلص منه، فان ذلك المبدأ الذي يكون بالاختيار يحتاج إلى مقدمات الاختيار حيث كان بالاختيار، فننقل الكلام إلى مقدمات ذلك الاختيار، فإن كانت بلا اختيار كان الاختيار بلا اختيار، وإلا عاد هذا الكلام إلى ما لا نهاية له وتسلسل.
واما ما أجاب به أخيرا من الالتزام باستحقاق العقاب على القصد، وإن لم يكن بالاختيار، فتترتب على ما لا بالاختيار، أعني القصد المنبعث عن الخصوصية الذاتية الكامنة في ذات العبد، حالة في العبد يعبر عنها بالبعد عن المولى، ويكون من آثارها العقاب، فالعقاب أثر تلك الحالة، وهي أثر قصد المعصية، وقصد المعصية أثر خصوصية كامنة في ذات العبد، مثل ان طينته من عليين أو من سجين، فالذات تؤثر في حصول العقاب تأثير العلل التكوينية في معاليلها، ولا ينافي ذلك لحوق التوبة والشفاعة وسائر موجبات الخلاص من النار، فان الذات الموفقة للتوبة والتي تشملها الشفاعة ذات خيرة وطينتها من عليين، والذات الشريرة التي تعصي وتقود معصيتها صاحبها إلى أن توصله إلى جهنم، لا تتوفق للتوبة ولا تصلح أن