الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣١٨
بالحسن بالمعنى المتنازع فيه بل بأحد المعاني الاخر وأيضا نمنع تحقق الاستواء لان فرضه لا يوجبه وعلى الثاني بأن الباعث على الانقاذ ليس حسنه بل رقة الجنسية التي جبلت عليها طبيعة الانسان و الجواب أما عن الأول فبأن المنع المذكور فيه في الموضعين الأولين بل المواضع الثلاثة مكابرة لقضاء الضرورة بخلافه وأما عن الثاني فبأنه يؤثر الانقاذ وإن قطع النظر عن رقة الجنسية وإنكاره أيضا مكابرة والغرض من ذكر هذه الأمثلة إنما هو التنبيه على المقصود وإلا فالحكم في نفسه ضروري كما مر قال العضدي تبعا للحاجبي بعد أن أورد الاعتراض المذكور على المثال الأول ما لفظه ولو سلمنا ذلك في حق الشاهد يعني العباد فلا نسلمه في حق الغائب يعني في حقه تعالى لتعذر القياس فإنا نقطع بأنه لا يقبح منه تعالى تمكين العبد من المعصية مع أنه قبيح في حق العباد أقول وهذا المنع ناظر إلى ما مر حكايته عنهما في تحرير محل النزاع ثم أقول ليس حكم العقل بحسن إيثار الصدق على الكذب في الفرض المذكور من جهة كون المؤثر عقلا أو ممكنا أو مخلوقا بل من حيث كونه فاعلا عالما مختارا فيجري في حقه تعالى أيضا وأما السند الذي تمسك به فساقط جدا إذ لا يلزم من قبح شئ في حق العباد وعدم قبحه في حقه تعالى أن لا يحكم العقل على بعض الأفعال بوقوعه منه تعالى لحسنه وعلى بعض بامتناع وقوعه منه تعالى لقبحه منه والسر في عدم قبح تمكينه تعالى للعبد من المنكر لعدم أنه تعالى لو لم يمكن العباد من المعاصي لانتفى فائدة التكليف وهي من أعظم المصالح الداعية إلى خلق المكلفين لإحاطته تعالى لجميع عباده في جميع أفعالهم نعم قد يحسن منه تعالى أن لا يمكن بعض العباد من بعض المعاصي فلا يمكنهم منها إما لطفا منه عليهم نظرا إلى أهليتهم لهذا النوع من اللطف أو لحكمة أخرى وأما بالنسبة إلينا فلا ريب أنا لا نحيط بجميع العباد و لا بجميع أفعال البعض فعدم التمكن منا لا يؤدي إلى تفويت حكمة التكليف ومثله الكلام في إنقاذ النفوس المحترمة المشرفة على الهلاك من جوع أو عطش أو مرض أو غرق أو حرق أو ما أشبه ذلك فإنه يقبح منا ترك الانقاذ مع القدرة عليه مطلقا وليس بالنسبة إليه تعالى كذلك وإلا لا نسد باب الابتلاء والاختبار فيؤدي إلى تفويت ثمراتها مع أن قبح التمكين منا سمعي لا عقلي فيجوز أن يكون هناك جهة تخص العباد فلا يتم التقريب الثالث أنه لو كانا بالشرع فقط لزم إفحام الأنبياء والتالي باطل بالضرورة بيان الملازمة أن النبي إذا قال انظروا في معجزتي لتعلموا صدقي كان لهم أن يقولوا لا ننظر حتى يجب علينا النظر ولا يجب حتى ننظر وهذه معارضة لا مدفع للنبي عنها وهو معنى الافحام واعترض عليه أولا بأنه مشترك الورود لأنكم وإن قلتم بوجوب النظر عقلا لكنه ليس معلوما بالضرورة لتوقفه على إثبات مقدمات عديدة من كون النظر مفيدا للعلم مطلقا وفي خصوص الإلهيات وأن معرفته تعالى واجبة وأنها لا تتم إلا بالنظر وأن مقدمة الواجب واجبة وهذه كلها نظرية لوقوع الخلاف فيها حيث خالفت السمينة بضم السين وفتح الميم فرقة لعبدة الأصنام وتقول بالتناسخ وتنكر حصول العلم بالاخبار قيل نسبته إلى سومان بلدة من الهند على غير قياس قاله في الصحاح ومجمع البحرين في الامر الأول والمهندسون في الثاني والحشوية في الثالث والصوفية في الرابع وجماعة من علماء الأصول في الخامس و على تقدير نظريتها كلا أو بعضا يلزم الافحام أيضا إذ للمكلف أن يقول حينئذ لا أنظر حتى يجب ولا يجب حتى أنظر لا يقال لا توقف للنظر على وجوبه فيفسد قوله لا أنظر حتى يجب لأنا نقول المراد أنه لا يمكن إلزامه النظر على التقدير المذكور وهو كاف في لزوم الافحام والجواب من وجوه الأول أن المقدمات المذكورة ما عدا وجوب المعرفة وإن وقع فيها النزاع إلا أنها ضرورية عند من لم يسبق إلى ذهنه الشبهات الموردة فيها وأصل الدعوى وإن توقفت على ملاحظة هذه المقدمات إلا أنها بالنسبة إليها بمثابة القضايا التي قياساتها معها حيث يكفي ملاحظتها في الانتقال إليها فهي أيضا في حكم البديهي وأما المعرفة فلا يتوقف وجوب النظر على ثبوت وجوبها بل على احتمال وجوبها على وجه يحصل معه خوف الضرر بتركها ولو بإخبار من يحصل الخوف بخبره فيجب دفعه بالنظر بالضرورة فإن قيل لا ضرر مع عدم ثبوت التكليف فلا خوف قلنا لا نسلم ذلك لقضاء صريح العقل في مثل ذلك بوجوب الفحص فإن أصل البراءة إنما يعتبر عند العقل بعد البحث المعتبر وعدم الوقوف على المعارض الثاني أن رفع الافحام على طريقة العدلية لا يتوقف على إثبات المقدمات المذكورة بل على احتمال ثبوتها على وجه يتحقق معه خوف الضرر كما مر في المعرفة فيجب النظر دفعا لخوف الضرر ووجوب رفع خوف الضرر لا سيما إذا كان ضررا يعتد به ضروري حتى إن ذلك مودع في طباع الحيوانات ولهذا تراها تتحرز عن موارد خوفها الثالث أن مخالفة السمينة في كون النظر مفيدا للعلم مباهتة في الضروريات إذ لا ينفك الانسان البالغ رتبة التكليف عن تحصيل بعض العلوم بالنظر فيعلم بملاحظة ذلك إمكانه علما ضروريا مع أنه يكفي في إلزام العقل بالنظر احتمال كونه مفيدا للعلم ولا يلزم العلم بذلك ولهذا لا يقبل اعتذار العبد التارك للمأمور به باحتمال عدم كونه متمكنا منه وبهذا يظهر الجواب عن مخالفة المهندسين أيضا و قد عرفت أن وجوب النظر لا يتوقف على ثبوت وجوب النظر بل على احتماله ومخالفة من يعتد بمقالته من الصوفية ليست في أصل توقف العلم على النظر بل في انحصار الطريق فيه لأنهم يدعون إمكان العلم بطريق الكشف أيضا فلو صح ذلك فغاية ما يترتب عليه أن يلزمهم الرسول في تحصيل العلم بصدقه بأحد الطريقين منه ومن النظر ولا يلزم على تقديره الافحام مع أن طريق الكشف على تقدير إمكانه ليس بسريع الحصول لتوقفه على مزاولة رياضات شديدة في أزمنة متطاولة ووجوب المعرفة المعلوم أو المحتمل فوري فيتعين الطريق الأقرب وكون وجوب المقدمة نظريا على تقدير تسليمه لا
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 ... » »»