السابق مع أنه يكفينا في المقام احتمال ذلك فإنه لا يلزم من كون لا حسن عدميا أن يكون نقيضه وهو الحسن وجوديا ما لم يثبت كونه سلبا لوجود الحسن وهو يتوقف على إثبات كون الحسن وجوديا فإثبات كونه وجوديا بأن نقيضه سلب وجود دور وأما اتصاف المعدوم بلا حسن فاتصاف ذهني لا خارجي لامتناع تحقق صفة بكلا نوعيها بدون تحقق الموصوف في ظرف الاتصاف وقد يجعل الاتصاف في ذلك ونظائره خارجيا باعتبار كون الخارج بحيث ينتزع منه عدم الفعل المنتزع عنه إلى عدم الفعل المنتزع منه صفة لا حسن وله وجه ثم أقول إن أرادوا بتفسير القيام بالتبعية في التحيز أن القيام قد يطلق على هذا المعنى فمسلم لكن نمنع كون القيام في محل البحث بهذا المعنى بل بمعنى آخر كالاختصاص الناعت وإن أرادوا حصر معنى القيام فيه فإن ادعوا ذلك بالنسبة إلى الصفات الوجودية خاصة فبعد الاغماض عما يرد عليه من النقض بالصفات الوجودية اللاحقة للمجردات لا تنافي المقصود إذ قد بينا أن الحسن و القبح العقليين ليسا من الصفات الوجودية بل الاعتبارية فلا يكون قيامهما من قبيل القيام بمعنى التبعية في التخير بل بمعنى آخر وإن ادعوا ذلك بالنسبة إلى مطلق الصفات فتوجه المنع عليه جلي لان الصفة إذا كانت اعتبارية كان قيامها بموصوفها عبارة عن كونه بحيث يصح انتزاعها منه لا غير وهذا مما يستوي فيه الجوهر والعرض على أنه يلزم على هذا التقدير استدراك بعض مقدمات الدليل إذ لا حاجة حينئذ إلى إثبات كون الحسن والقبح وجوديين بل على تقدير كونهما اعتباريين يلزم أن يكون الوصف لمحل الفعل ولا يصح وصف الشئ بمعنى لا يقوم به مطلقا كما مر تحقيقه في مسألة المشتق ثم لو سلم أنهما وجوديان وأن القيام عبارة عن التبعية في التحيز خاصة فبطلان التالي ممنوع لان التابع في التحيز إما أن يكون نابعا فيه لمتحيز أصلي أو تبعي والتحيزان متغايران ولو بحسب الاعتبار فيصح قيام المعنى بالمعنى ولا يلزم منه قيامه بمحل المعنى لان العبرة في القيام المصحح لصدق الوصف بالتبعية الابتدائية وهي لاحقة للمعنى بالنسبة إلى المعنى لا محله واعلم أن بعضهم زعم أن هذه الحجة على تقدير صحتها لا تنهض على الجبائية فخصها بغيرهم لان الحسن مثلا إذا لم يكن من الصفات الذاتية جاز أن لا يكون وجوديا بل اعتباريا فلا يكون معنى وفيه نظر لان الدليل المذكور يثبت كونه وجوديا على تقدير اتصاف الفعل به فيثبت به كونه معنى على ما عرفت بل قد عرفت أنه يجري على تقدير اعتباريته أيضا لكن على تقدير تخصيصها بالقول بالذاتية لا يتم النقض إلا بالصفات الذاتية كالامكان الثاني لو حسن الفعل أو قبح لغير الشرع لزم أن لا يكون الباري تعالى مختارا في تشريع الاحكام والتالي باطل اتفاقا أما الملازمة فلان الحكم بالمرجوح قبيح فيمتنع صدوره منه تعالى فلا يكون مختارا فيه وهو المذكور في التالي وأما بطلانه فموضع وفاق و الجواب منع الملازمة فإن امتناع صدور الفعل لتحقق الصارف لا يقدح في ثبوت الاختيار فيه فإن الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار كالواجب وسيأتي لهذا مزيد بيان الثالث لو حسن الفعل أو قبح لغير الطلب لم يكن تعلق الطلب به لذاته أي لذات الطلب والتالي باطل و أما الملازمة فلتوقف تعلقه حينئذ على حصول غيره وما يتوقف ثبوته للشئ على حصول غيره لا يكون له لذاته وأما بطلان التالي فلان تعلق الطلب بالمطلوب تعلق عقلي لأنه صفة ذات إضافة لا يعقل إلا مضافا إلى مطلوب فمتى حصل الطلب تعلق بالمطلوب بنفسه ولا يتوقف على غيره هذا أظهر الوجوه التي ذكروها في تقرير هذه الحجة والجواب أما أولا فبالنقض بالطلب الصادر منافاته لو صح ما ذكر لزم أن لا يتوقف على ملاحظة غير المطلوب من المصالح التي تراعى في العين لعين ما مر من أنه صفة ذات إضافة لا يستدعي أمرا غير المطلوب والتالي باطل بالضرورة وأما ثانيا فبالحل وهو أن استغناء الامر الإضافي في التعلق بعد الوجود عن العلة لا يستلزم استغناءه في الوجود عنها و اللازم على القول بالتحسين والتقبيح توقف وجود الطلب في الخارج على تحقق الجهة المرجحة لا أنه يوجد ويتوقف تعلقه بالمطلوب على تحققها وهو واضح مع أن هذا الاشكال مما لا مدفع له على ما ذهب إليه الأشاعرة من قدم الطلب وحدوث تعلقه بالمكلفين فإن إضافة الطلب إلى المكلف على حد إضافته إلى الفعل المطلوب فيلزمهم الفساد المذكور الرابع أن فعل العبد غير صادر عنه باختياره فلا يتصف بالحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه اتفاقا أما عند المنكرين لهما فواضح وأما عند القائلين بثبوتهما فلأنهما عندهم من صفات الأفعال الاختيارية لا غير والدليل على أنه غير صادر عنه باختياره أمران الأول أن الفعل الصادر من المكلف لا يخلو إما أن يكون لازم الصدور عنه أو لا فإن كان الأول لزم أن لا يكون مختارا فيه لان لزوم الصدور ينافي الاختيار وإن كان الثاني كان جائزا صدوره وعدمه وحينئذ فإن قلنا بأنه يفتقر إلى مرجح سواء كان من الفاعل أو غيره فمع المرجح يعود التقسيم إلى أنه إما أن يكون لازم الصدور عنه فلا يكون مختارا فيه أو يكون جائزا وجوده وعدمه فيفتقر إلى مرجح آخر وحينئذ فإما أن ينتهي إلى مرجح يكون معه لازم الصدور فلا يكون اختياريا أو يتسلسل وإن قلنا بأنه لا يفتقر إلى مرجح بل يصدر عن الفاعل تارة ولا يصدر عنه أخرى مع تساوي الحالين من غير مدخلية لأمر زائد كان اتفاقيا فلا يكون مختارا فيه أيضا لأنه يصدر من الفاعل من غير قصد ولا تعلق إرادة وقدرة لا يقال هنا قسم آخر وهو أن يصدر الفعل من الفاعل على وجه لا يكون
(٣٢١)