الرذيلة المفاضة عليها لأهليتها لذلك والمخلوق من الطينتين يأتي بما يناسبهما من الافعال كما مر باختياره وعلى هذا البيان ينزل ما ورد في ولد الزنا من أنه يدخل النار وأنه لا يكون إلا مبغضا لأهل البيت عليهم السلام ومثله ما ورد في ولد الحيض فإن المراد أنه يدخل النار بأعماله التي تصدر عنه باختياره وأما وجود البغض المذكور فيه فهو وإن كان في أول الامر اضطراريا إلا أنه لما مكن من رفعه وقلبه بالمحبة الواجبة بالمجاهدات الشرعية فهو معاقب على تقصيره في ذلك وكذا الكلام في سائر الأخلاق الرذيلة التي توجد في سائر المكلفين كالبخل والحسد والكبر وغيرها فإنها قد تكون بحسب مبدأ حصولها فيهم بطريق الاضطرار إلا أنهم قد مكنوا من رفعها بالمجاهدة ولهذا قد يجاهد صاحب الأخلاق الرذيلة في رفعها فيجرد نفسه عنها وكما أن الأخلاق الرذيلة مما يمكن سلبها بالمجاهدة كذلك الأخلاق الجميلة يمكن سلبها بالمجاهدة وكما أن صاحب الأخلاق الرذيلة مأمور بسلبها عن نفسه وقد يستحق العقوبة على التقصير في ذلك كذلك صاحب الأخلاق الجميلة مأمور بالمحافظة عليها فيؤجر عليها ولو مات صاحب الملكة الرذيلة قبل تمكنه من إزالتها كان معذورا في ترك إزالتها إلا أنه غير معذور في العمل بمقتضاها لعدم اضطراره إليه ثم المراد باستعداد الذوات لما يفاض عليها من الملكات أن لها من جهة كونها تلك الذوات أهلية تلك الإفاضة بمقتضى قانون الحكمة لا أنه لا يمكن إفاضة غيرها عليها فاستناد هذا الاستعداد إلى الذات كاستناد الفردية إلى الثلاثة والزوجية إلى الأربعة فلا يعلل بأمر غير الذات ولما كانت الذوات معلومة له تعالى بما لها من الاستعدادات وكانت الحكمة قاضية بإيجادها أوجدها و أعطاها ما كانت طالبة بلسان الاستعداد فإن كل شئ عنده بمقدار روايتكم من كل ما سألتموه ولا فرق في هذا البيان بين أن نقول بأن المجعول بالأصالة هو الوجود أو الماهية إذ على الأول يكون الوجود الخاص المحدود بالحدود الخاصة مستعد الإفاضة ملكاته عليه وعلى الثاني يكون الماهية الخاصة كذلك وهذا النوع من الاستعداد ينبغي أن يسمى بالاستعداد الذاتي والاستعداد الأولي الثاني اختلاف الادراكات والملكات والأحوال المكتسبة بواسطة الأعمال ويرجع سلسلة استنادها إلى استعداد الذاتي و يعرف بعض الكلام في هذا مما مر في سابقه وينبغي أن يسمى هذا النوع من الاستعداد بالاستعداد الكسبي والثانوي ومن هذا الباب زيادة الهدى في حق المؤمن وربط قلبه وتثبيته ونحوها المشار إليها في قوله تعالى إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم وقوله تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم وقوله تعالى ومن يؤمن بالله يهد قلبه وقوله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت وأما قوله تعالى وهو الذي حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان فيمكن أن يكون منشأه هذا النوع من الاستعداد والاستعداد الذاتي وكذلك من هذا الباب الطبع في حق الكافر وأشباهه المشار إليها في قوله تعالى ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم وقوله تعالى و قالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم وقوله تعالى وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم وقوله تعالى فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم و قوله تعالى جعلنا قلوبهم قاسية وقوله جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه و في آذانهم وقرا وقوله جعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وقوله إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم إلى غير ذلك وأما ما أشير إليه في قوله تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون فالظاهر أن منشأه الاستعداد الذاتي و اعلم أن الدواعي و ما يستند إليه من الادراكات والملكات والأحوال بكل نوعيها المتقدمين وإن كانت شرائط لصدور الافعال من النفس إلا أن لها عند التحقيق نوع إعداد لها في صدور الافعال التي تناسبها منها على وجه الاختيار فما كان منها معدا لصدور الخير يسمى إنعام العبد به بدون إعطائه ما يعارضه توفيقا وهو تفضله تعالى على العبد زائدا على القدر المعتبر في صحة تكليفه بما يصدر منه معه الطاعة وعمل الخير وقد يسمى تأييدا أو هداية قال الله تعالى وأيدهم بروح منه و قال لعيسى بن مريم إذ أيدتك بروح القدس وقال لنبيه صلى الله عليه وآله إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء و تخصيص البعض به لاختصاص الأهلية بهم كما يدل عليه برهان الحكمة و امتناع الترجيح من غير مرجح قال الله تعالى وألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها وأهلها ويختلف مراتبه باختلاف مراتب الأهلية كما قال تعالى في حق أنبيائه ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وقال في حق ملائكته وما منا إلا له مقام معلوم وما كان منها معدا لصدور الشر يسمى إعطاؤه بدون الانعام عليه بما يعارضه خذلانا و استدراجا قال تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وقال إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وتوضيح ذلك أن النفس منبع الشرور و الشهوات كما قال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام إن النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربي فإن تركت بحالها لم يصدر منها باختيارها إلا القبائح والمعاصي وإن أنعم عليها بما يعارض به دواعيها و شهواتها سلمت من مفاسدها قال تعالى لنبيه ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا وقال ولولا فضل الله عليكم ما زكا منكم من أحد أبدا وقال الصادق لعمرو بن حريث حين عرض عليه دينه فأقره
(٣٢٩)