في النقل الذي أسلفناه فإن الظاهر من الذي نسب إليه النقل هو صاحب الرجال المعروف ولو كان هو العاثر عليه لنبه عليه في بعض كتبه أو نبه عليه بعض علماء الذين عاصروه أو تأخروا عنه وأما ما ذكره البعض في محمد بن أحمد من أنه صاحب كتاب الرضا عليه السلام فلا دلالة فيه على أن إجازة هذا الكتاب منتهية إليه لجواز أن يكون المراد به بعض رسائله عليه السلام مما رواها الصدوق في العيون ولو سلم أن المراد به الكتاب المذكور فلا دلالة في كونه صاحبه على أنه كان يرويه بطريق معتبر لجواز أن يكون واجدا له أو راويا بطريق غير معتبر ولا يبعد أن يكون الكتاب المذكور من تصانيف بعض أصحاب الرضا عليه السلام قد أكثر فيه من نقل الاخبار التي سمعها منه عليه السلام بواسطة وبدونها كما يستفاد من قوله روي عن العالم وأروي عن العالم بناء على أن يكون المراد بالعالم هو الرضا عليه السلام ويصح نسبة الكتاب إليه عليه السلام نظرا إلى أن الغالب حكاية كلامه إذ لا يلزم في النسبة أن يكون أصل النسخة بخطه عليه السلام وربما نسب إلى الصدوق وهو بعيد مع احتمال أن يكون موضوعا ولا يقدح فيه موافقة أكثر أحكامه للمذهب إذ قد يتعلق قصد الواضع بدس القليل بل هذا أقرب إلى حصول مطلوبه لكونه أقرب إلى القبول وبالجملة فالتحقيق أنه لا تعويل على الفتاوى المذكورة فيه نعم ما فيه من الروايات فهي حينئذ بحكم الروايات المرسلة لا يجوز التعويل على شئ مما اشتمل عليه إلا بعد الانجبار بما يصلح جابرا لها ولو استظهرنا اعتماد مثل المفيد والصدوقين عليه في جملة من مواضعه فذلك لا يفيد حجيته في حقنا لأنه مبني على نظرهم واجتهادهم وليس وظيفتنا في مثل ذلك اتباعهم وإلا لكانت الاخبار الضعيفة التي عولوا عليها حجة في حقنا فإن ظننا بتعويلهم على جملة من روايات كتاب إذا أفاد حجيته مجموع الكتاب في حقنا لكان علمنا بتعويلهم على رواية معينة مفيدا لحجيتها في حقنا بطريق أولى القول في الفعل والتقرير فصل اختلفوا في التأسي بفعل النبي صلى الله عليه وآله فذهبوا فيه إلى مذاهب فقيل بالوجوب وقيل بالاستحباب وقيل بالإباحة وقيل بالوقف وموضع النزاع ما لو فعل في غير مقام البيان و لم يعلم وجهه ولم يكن في نفسه من الافعال العادية كالأكل والشرب والنوم أو كان ولكن أوقعه على وجه غير عادي كمداومة الافطار بالحلو والقيلولة والمختار عندي هو القول بالاستحباب لنا قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر فإن المستفاد منه حسن التأسي والاقتداء بأفعاله صلى الله عليه وآله وهو يفيد الرجحان المشترك بين الوجوب و الاستحباب ولا سبيل إلى حمله على الوجوب وإن قلنا بأنه الظاهر من إطلاق الطلب لان أكثر أفعاله صلى الله عليه وآله مندوبة في حق الكل وبعض ما وجب عليه مندوب في حقنا فلا يتصور وجوب الاقتداء فيها وتخصيصه بما ثبت عدم وجوبه موجب للتخصيص بالأكثر وهو أبعد من حمل الامر على الاستحباب وحمله على خصوص الأفعال الواجبة في حقه مع التخصيص بالبعض أو في حقنا بعيد عن مساق الآية فتنزيل الطلب المستفاد منه على مطلق الرجحان أولى ويمكن الاستدلال أيضا بالاحتياط وبأن شأنه صلى الله عليه وآله يتعالى عن ارتكاب غير الراجح بل قد يحكى عن بعض الصلحاء تورعه بعد الاستكمال عن ارتكاب غير الواجب والمندوب والنبي صلى الله عليه و آله أولى بذلك منه في جملة عمره ويشكل هذا بأن كون فعله الخاص راجحا لا يوجب أن يكون راجحا لنفسه أو لغيره اللازم ترتبه عليه ليترجح التأسي به مطلقا لجواز أن يكون راجحا لغيره المترتب عليه في خصوص مقام الفعل وإن لم نطلع عليه مع أن خلاف الأولى بل المكروه مما يجوز صدوره عن الأنبياء على وجه الندرة كما يدل عليه قصة آدم وموسى ويونس وداود فصدور المباح أولى فيتسرى الاحتمال إلى نبينا صلى الله عليه وآله مع مساعدة ظاهر آيتي العفو عنه في الاذن والمغفرة لما تقدم من ذنبه وما تأخر عليه ويمكن دفع الثاني بعد تسليمه بما مر من مراعاة الغالب إلا أنه لا دليل على حجيته في مثل المقام احتج القائلون بالوجوب بوجوه منها الآية السابقة وقد عرفت عدم دلالتها على الوجوب بالبيان الذي سلف وقد أجاب عنها العلامة بأن الأسوة عبارة عن الاتيان بفعل الغير لأنه فعله على الوجه الذي فعله فإن كان واجبا تعبدنا بإيقاعه واجبا وإن كان مندوبا تعبدنا بإيقاعه مندوبا وإن كان مباحا تعبدنا باعتقاد إباحته وفيه أنه إذا أتى به على وجه الإباحة لم يكف في صدق الأسوة فيه اعتقاد إباحته مع تركه كما يرشد إليه تفسيره لها فإن ذلك أسوة في الاعتقاد لا في الفعل و من هنا يظهر أن ظاهر الآية نفي وقوع ما عدا الواجب والمندوب منه صلى الله عليه وآله إذ مفاد الامر رجحان المتابعة ولا يعقل رجحان المباح والمكروه إلا أن يدعى أن جهة المتابعة مفيدة لرجحانه في حقنا وإن تجرد عنه حين صدوره منه صلى الله عليه وآله و هو بعيد أو يقال فعل المباح بنية كونه مباحا راجح لما فيه من إظهار الانقياد والتمسك بشعائر العبودية ويدل عليه ظاهر قوله عليه السلام إن الله أحب أن يؤخذ برخصه كما أحب أن يؤخذ بعزائمه بتنزيله على الاخذ برخصه لكونها رخصة لئلا ينافي ثبوت المباح أو رجحان ما أحبه تعالى فلا ينافي الآية فعله صلى الله عليه وآله للمباح بهذا الاعتبار لكونه حينئذ راجحا لكنه لا ينافي الحصر المدعى و التحقيق أن الأسوة عبارة عن مجرد المتابعة فإذا فعل صلى الله عليه و آله فعلا ولم يعلم وجهه وتابعناه فيه بقصد القربة المطلقة كان ذلك تأسيا به لأنه إن كان فعله بقصد القربة المطلقة أيضا فلا كلام وإن كان فعله بنية الوجوب أو الندب لم يقدح في صدق التأسي قصدنا فيه القربة المطلقة لما بيناه في محله من أن نية الوجه غير معتبرة وإن كان على وجه الإباحة مثلا بناء على جواز صدور المباح منه صلى الله عليه وآله فإن قلنا برجحان التأسي فيه أيضا كما هو قضية الوجه الأول من الوجهين المتقدمين أيضا فلا إشكال ولا عبرة بكون الرجحان حينئذ من حيث كونه تأسيا خاصة لا من حيث نفس الفعل أيضا كما في الأولين إذ تعيين هذه الجهات غير لازم في صحة العمل بل القدر اللازم المتابعة بقصد القربة وإلا كان عموم رجحان التأسي مخصوصا به
(٣١٣)