الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٢٢
لازم الصدور بل راجح الصدور أو يفتقر إلى مرجح يكون معه كذلك لأنا نقول هذا الاستدلال مبني على بطلان الأولوية وبيانه موكول إلى محله لكن كان الأولى حينئذ أن لا يتعرض لذكر الاتفاقي أيضا بل يبنى الاستدلال على بطلانه ويحال بيانه إلى محله وكأنهم تعرضوا له نظرا إلى أن الدليل يتم على تقدير صحته أيضا كما يظهر من بيانهم وفيه بحث لأنهم إن أرادوا بكون الفعل على التقدير المذكور اتفاقيا أنه يحصل من دون استناد إلى الفاعل صح ما فرعوا عليه من لزوم كون الفاعل غير مختار فيه لكن نمنع أنه على التقدير المذكور يلزم الاتفاقي بهذا المعنى وإن أرادوا أن الفعل على تقدير حصوله يستند إلى الفاعل لكن استناده إليه ليس بحيث يمتنع فيه الانفكاك بل قد يتحقق من الفاعل العلل المقتضية من الدواعي والإرادة وغير ذلك ويصدر منه الفعل وأخرى يتحقق منه تلك العلل ولا يصدر منه الفعل من غير أن يتحقق في إحدى الحالتين أمر زائد فحينئذ لا نسلم أن الفعل يكون صادرا عنه من غير قصد و قدرة بل اللازم حينئذ أن يكون صادرا عنه على تقدير صدوره بواسطة القصد والقدرة غاية الامر أن لا يكون تأثيرهما بالوجوب أو بالأولوية بل بالاتفاق فظهر أن الدليل لا يتم إلا بالبناء على بطلان الاتفاق أيضا ووجهه واضح وهو استلزامه للترجح بلا مرجح و امتناعه ضروري ثم على تقدير البناء على بطلان الأولوية والاتفاق يمكن تقرير الدليل بوجه أخصر وهو أن الفعل إن وجب صدوره عن الفاعل فلا اختيار له فيه وإلا كان ممتنعا وإلى هذا يرجع ما تقرر في محله من أن الشئ ما لم يجب لم يوجد الثاني أنه تعالى علم بأفعال العباد قبل وقوعها فيمتنع وقوع خلاف ما علم منهم وإلا لانقلب علمه تعالى جهلا وهو محال وحرره الفخر الرازي في أربعينه ببيان آخر يرجع محصله إلى أنه كما أن بين وقوع كل من الفعل والترك من الفاعل في وقت واحد ووقوع الاخر منه منافاة ذاتية لامتناع الجمع بينهما كذلك بين العلم بأحدهما ووقوع الاخر منافاة ذاتية إذ المطابقة للواقع معتبرة في ذات العلم فإذا فرض علمه تعالى بأحدهما تحقق المنافي الذاتي لوقوع الاخر فيمتنع القدرة عليه إذ لا يتم القدرة على الشئ مع تحقق المنافي الذي لا سبيل إلى رفعه أقول ويمكن تحريره ببيان ثالث وهو أن قدرة العبد على خلاف ما علمه تعالى في معنى القدرة على جعل علمه تعالى جهلا لأنه لازم للقدرة على خلاف ما علمه تعالى والقدرة على الملزوم قدرة على لوازمه كالقدرة على إيجاد الأربعة فإنها قدرة على إيجاد الزوجية ومن الواضح أن لا قدرة للعباد على اللازم لأنه محال فلا قدرة لهم على الملزوم أيضا فإذا انتفي قدرة العبد على غير علمه تعالى كان قدرته على ما علمه تعالى اضطرارا لا قدرة واعلم أن للناس في الأفعال الاختيارية الصادرة عن العباد أعني ما هي اختيارية عندنا مذاهب خمسة الأول ما حكي عن جهم بن صفوان وأتباعه وهو أنها صادرة عن الله تعالى من غير استناد إلى قدرة العباد أصلا ولا مجامعة لها وأنهم لا يستحقون عليها مدحا ولا ذما وأنه لا فرق بين حركة الصاعد على السلم والساقط عنه ولا بين حركة المختار وحركة المرتعش وهذا غلو في الجبر الثاني ما ذهب إليه الأشاعرة وهو أنها صادرة عنه تعالى من غير استناد إلى قدرة العباد إلا أنها مجامعة لقدرة فيهم غير مؤثرة فيها بالفعل لكنها كانت تؤثر لو لم تؤثر قدرة الله التي هي أقوى منها وبهذا الاعتبار جعلوها مكسوبات للعباد وسموا هذه القدرة قدرة كاسبة وزعموا أنهم لا يستحقون عليها مدحا ولا ذما وعلى هذا فتنحل دعواهم في المقام إلى أمرين الأول نفي استحقاق العباد المدح والذم على أفعالهم عند العقل الثاني نفي تأثير قدرتهم فيها ولا تلازم بين المقامين لامكان القول باستحقاقهم المدح والذم عليها عند العقل ونفي تأثير قدرتهم فيها كاستحقاق اللؤلؤ المدح عقلا على صفائها وبهائها والعذرة الذم على خباثتها وقذارتها أو القول بتأثير قدرتهم فيها ونفي استحقاقهم المدح والذم عليها عند العقل وقد التزمت الأشاعرة ذلك بالنسبة إلى أفعاله تعالى والنزاع الذي عقدت هذه المسألة لبيانه إنما هو المقام الأول وأدلتهم المتقدمة لو تمت لدلت على إثبات مقالتهم فيه والمقدمات المذكورة في هذا الدليل لو تمت لدلت على إثبات دعواهم في المقام الثاني ومنه يظهر سقوط تمسكهم بهذا الدليل على المقام الأول لبطلان ما ادعوه من الاتفاق على عدم استحقاق المدح والذم عقلا على الافعال الاضطرارية فإن القائل باستحقاق المدح والذم عقلا يقول به بالنسبة إلى صفات الكمال والنقص وإن كانت اضطرارية وحينئذ فما المانع من التزامه ذلك بالنسبة إلى الافعال الاضطرارية التي تكون كذلك كما التزم به أبو الحسين و أتباعه كما سيأتي الثالث ما نقل عن أبي الحسين البصري من المعتزلة و أتباعه وهو أن أفعال العباد الاختيارية صادرة عنهم وواجبة بالنسبة إلى المبادي التي هي فعله تعالى فيهم من القدرة والداعي الذي هو عين الإرادة عندهم فهي واجبة الصدور منهم بالوجوب السابق وأنهم يستحقون عليها المدح والذم عقلا وهذا في الحقيقة يرجع إلى القول بالجبر إن فسر الإرادة بالعزم كما يأتي لان العبد متى كان مجبورا على الإرادة كان مجبورا على الفعل ضرورة أنه يعتبر في القادر أن يكون له إرادة الفعل والترك الرابع ما نسب إلى أصحابنا الامامية وهو أن أفعال العباد الاختيارية صادرة عنهم بقدرتهم واختيارهم من غير أن تكون واجبة الصدور عنهم بالوجوب السابق أعني الوجوب بالنسبة إلى المبادي التي هي فعله تعالى في العبد وكأنهم يريدون أنها ليست واجبة الصدور عنهم بدون توسط اختيارهم فلا ينافي وجوبها بواسطة اختيارهم كما يأتي تحقيقه وأن قدرتهم على أفعالهم ليست بالاستقلال وأنهم يستحقون عليها المدح والذم الخامس ما نقل عن أكثر المعتزلة وهو أن
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»