الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣١٦
الامر به لقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين الآية و لو فسر القيمة بالثابتة التي لا تنسخ كما ذكره بعضهم فلا إشكال في ثبوت الحكم المذكور في شرعنا المقالة الثالثة في الأدلة العقلية والمراد بالدليل العقلي كل حكم عقلي يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى حكم شرعي وينقسم إلى ما يرجع إلى قاعدة التحسين و التقبيح العقليين ومؤدى هذا القسم قد يكون حكما واقعيا كحكم العقل بوجوب شكر المنعم وحرمة كفرانه وقد يكون حكما ظاهريا كحكمه بإباحة تناول الأشياء الخالية عن أمارات المفسدة وإليه يرجع مسألة أصل البراءة ومثله مسألة الاستصحاب في وجه وإلى ما لا يرجع إليها كحكمه باستلزام تعليق شئ على شئ انتفاؤه عند انتفائه في الجملة وأن الامر بالشئ لا يجامع النهي عنه مع وحدة الجهة لكونه تكليفا محالا كما تخيله بعضهم وكحكمه بامتناع التكليف بالمحال الذاتي على ما زعمه الحاجبي من كونه تكليفا محالا و كحكمه بمطلوبية المقدمة عند مطلوبية ذيها بناء على عدم الانفكاك في المطلوبية أما القسم الأول فقد أنكره الأشاعرة أولا من حيث أصله لمنعهم من تحسين العقل وتقبيحه وبعد التنزل أنكره كثير منهم من حيث وصفه فمنعوا كونه دليلا على الحكم الشرعي ووافقهم على ذلك جماعة من أصحابنا حيث أنكروا الملازمة بين حكم العقل والشرع و أما القسم الثاني فالظاهر إطباق السلف على حجيته نعم ربما يظهر من بعض المتأخرين إنكاره أيضا حيث أطلقوا القول بعدم حجية الدليل العقلي وسيرد عليك تفاصيل ذلك إن شاء الله تعالى فصل اختلفوا في الحسن والقبح العقليين فأثبتهما العدلية من الامامية والمعتزلة وأنكرهما الأشاعرة ثم اختلف المثبتون فقيل إنهما يلحقان الافعال لذواتها وقيل لصفات لازمة لذواتها وقيل يتصف الفعل بالقبح لصفة توجبه فيه ويكفي في الحسن عدم موجب القبح والجبائية على أنهما بالوجوه والاعتبار فهنا نزاعان الأول في ثبوت الحسن والقبح ولا بد أولا من تحرير محل النزاع في ذلك فنقول كل من الحسن والقبح على ما ذكروه يطلق على عدة معان منها موافقة الغرض والمصلحة والمخالفة لهما ولا نزاع في ثبوتهما بهذا المعنى وأنه مما يختلف بالاعتبار فإن قتل زيد مثلا مصلحة لأعدائه وموافق لغرضهم ومفسدة لأحبائه ومخالف لغرضهم ومنها ملائمة الطبع ومنافرته ولا كلام في ثبوتهما بهذا المعنى أيضا كأكل الطعام اللذيذ وشرب الدواء المر ومنها الاتصاف بصفة الكمال والنقص كما يقال العلم حسن أي صفة كمال والجهل قبيح أي صفة نقص ولا نزاع في ثبوتهما بهذا المعنى أيضا ومنها كون الفعل بحيث يستحق فاعله المدح أو الذم عرفا كحسن خروج الجندي بلباسه وقبح خروج العالم بلباس الجندي ولا نزاع في ثبوتهما بهذا المعنى واختلافهما باختلاف العرف ومنها كون الفعل بحيث أثنى الشارع على فاعله من حيث إنه فاعله وأمرنا بالثناء عليه كذلك كما في الواجبات أو ذم فاعله من حيث أنه فاعله وأمرنا بذمه كذلك كما في المحرمات والوجه في اعتبار الحيثية واضح وقد يترك تعويلا على الظهور وقريب من ذلك إطلاقهما على كون الفعل بحيث لا حرج في فعله شرعا أو كونه بحيث فيه حرج شرعا و الفرق أن المعنى الأول يشتمل على الواسطة كالمباح وفعل غير المكلف بخلاف الثاني وكيف كان فهذا هو المعبر عنه بالحسن والقبح الشرعيين ولا نزاع في ثبوتهما بعد الشرع ومنها كون الفعل بحيث يستحق فاعله عند العقل المدح والثواب أو الذم والعقاب من حيث كونه فاعلا له وهذا محل النزاع والأولى تحرير النزاع في كون الفعل بحيث يستحق فاعله المدح أو الذم عقلا وترك قيد الثواب والعقاب لا لان العقل لا يستقل بإثبات الآخرة لاستقلاله بإثباتها في الجملة كما تقرر في محله غاية ما في الباب أنه لا يستقل بإثبات معاد الأجسام والمقصود لا يتوقف عليه مع أن المعتبر استحقاق الثواب والعقاب في الجملة وهو لا يستلزم الترتب ولا يختص بالآخرة بل لأنا نصف الفعل بالنسبة إليه تعالى بالحسن و القبح بالمعنى المتنازع فيه وهو لا يصدق مع القيد المذكور و زعم العضدي تبعا للحاجبي أن النزاع في حكم العقل بأن الفعل حسن أو قبيح في حكمه تعالى وهذا الكلام يحتمل وجوها الأول أن النزاع في إدراك العقل حسن حكمه تعالى بشئ أو قبحه الثاني أن النزاع في إدراك العقل حسن الفعل وقبحه المؤثرين في وقوع حكمه تعالى به على حسبه من إيجاب أو تحريم أو غير ذلك الثالث أن النزاع في إدراك العقل حسن الفعل وقبحه بالنسبة إليه تعالى و ظاهر العبارة أحد الوجهين الأولين ويظهر من كلامهما في الدليل الثاني إرادة الوجه الأخير ويمكن تنزيلها على ما يتناول الوجوه الثلاثة أو وجهين منها وكيف كان فهذا التخصيص منهما خبط في تحرير محل النزاع وغفلة عما تنادي به حجتهم والعجب أنهما وافقا أصحابهما في تحرير ما اختاره من أدلتهم والجواب عن أدلة مخالفيهم بما اقتضاه نفي التحسين والتقبيح بالمعنى المتنازع فيه مطلقا و مع ذلك فقد خصصا محل النزاع عند تحريره بما عرفت ومنهم من حرر النزاع في المعنى الخامس من معاني الحسن والقبح موجها له بأن المراد أن يدرك العقل مع قطع النظر عن الأدلة الشرعية أن الفعل مما يستحق فاعله الثناء أو الذم في نظر الشارع وهو سهو لأنه تحرير للنزاع الآتي في مسألة الملازمة لا النزاع المعروف في المقام و توضيح ذلك أن العدلية والأشاعرة بعد أن أطبقوا على كون الشارع حاكما في الافعال محسنا لبعضها ومقبحا لبعضها اختلفوا في كون العقل حاكما فيها محسنا لبعضها ومقبحا لبعضها بمعنى أن منها ما يستحق فاعله المدح في حكم العقل ومنها ما يستحق فاعله الذم في حكمه فذهبت العدلية إلى إثباته فقسموا الافعال باعتباره إلى الأحكام الخمسة وذهبت الأشاعرة إلى نفيه فقالوا بأن الافعال بأسرها في حكم العقل شرع سواء بمعنى أنه ليس فيها ما يستحق فاعله عند العقل مدحا أو ذما بل المدح والذم إنما يثبتان في حكم الشرع لا بمعنى أنهما يثبتان عند العقل بملاحظة حكم الشارع
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»