تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٩٦
بذلك جزاء ولا شكورا. وصبر لربه أكمل صبر، فصبر على طاعة الله، وعن معاصيه، وصبر على أقداره المؤلمة، حتى فاق أولي العزم من المرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. * (فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير) * أي: فإذا نفخ في الصور للقيام من القبور، وجمع الخلائق للبعث والنشور. * (فذلك يومئذ يوم عسير) * لكثرة أهواله وشدائده. * (على الكافرين غير يسير) * لأنهم قد أيسوا من كل خير، وأيقنوا بالهلاك والبوار. ومفهوم ذلك أنه على المؤمنين يسير، كما قال تعالى: * (يقول الكافرون هذا يوم عسر) *. * (ذرني ومن خلقت وحيدا * وجعلت له مالا ممدودا * وبنين شهودا * ومهدت له تمهيدا * ثم يطمع أن أزيد * كلا إنه كان لآياتنا عنيدا * سأرهقه صعودا * إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن ه ذآ إلا سحر يؤثر * إن ه ذآ إلا قول البشر * سأصليه سقر * ومآ أدراك ما سقر * لا تبقي ولا تذر * لواحة للبشر * عليها تسعة عشر * وما جعلنآ أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله به ذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر) * هذه الآيات، نزلت في الوليد بن المغيرة، المعاند للحق، المبارز لله ولرسوله بالمحاربة والمشاقة، فذمه الله ذما، لم يذم به غيره، وهذا جزاء كل من عاند الحق، ونابذه، أن له الخزي في الدنيا ولعذاب الأخرة أخزى، فقال: * (ذرني ومن خلقت وحيدا) *، أي: خلقته منفردا، بلا مال، ولا أهل، ولا عشيرة، فلم أزل أربيه وأعطيه. * (وجعلت له مالا ممدودا) * أي: كثيرا * (و) * جعلت له * (بنين) *، أي: ذكورا * (شهودا) *، أي: حاضرين عنده على الدوام، يتمتع بهم، ويقضي بهم حوائجه، ويستنصر بهم. * (ومهدت له تمهيدا) *، أي: مكنته من الدنيا وأسبابها، حتى انقادت له مطالبه، وحصل له ما يشتهي ويريد. * (ثم) * مع هذه النعم والإمدادات * (يطمع أن أزيد) *، أي: يطمع أن ينال نعيم الآخرة، كما نال نعيم الدنيا. * (كلا) *، أي: ليس الأمر كما طمع، بل هو بخلاف مقصوده ومطلوبه. وذلك * (إنه كان لآياتنا عنيدا) * عرفها، ثم أنكرها، ودعته إلى الحق، فلم ينقد لها. ولم يكفه أنه أعرض عنها وتولى، بل جعل يحاربها، ويسعى في إبطالها، ولهذا قال عنه: * (إنه فكر) *، أي: في نفسه، * (وقدر) * ما فكر فيه، ليقول قولا، يبطل به القرآن. * (فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر) * لأنه قدر أمرا، ليس في طوره، وتسور على ما لا يناله، هو ولا أمثاله. * (ثم نظر) * ما يقول، * (ثم عبس وبسر) * في وجهه، وظاهره نفرة عن الحق، وبغضا له. * (ثم أدبر) *، أي: تولى * (واستكبر) * نتيجة سعيه الفكري، والعملي والقولي. * (فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر) *، أي: ما هذا كلام الله، بل كلام البشر، وليس أيضا كلام البشر الأخيار، بل كلام الأشرار منهم، والفجار، من كل كاذب سحار. فتبا له، ما أبعده من الصواب، وأحراه بالخسارة والتبات كيف يدور في الأذهان، أو يتصور ضمير أي إنسان، أن يكون أعلى الكلام وأعظمه، كلام الرب الكريم، الماجد العظيم، يشبه كلام المخلوقين الفقراء الناقصين؟ أم كيف يتجرأ هذا الكاذب العنيد، على وصفه بهذا الوصف لكلام الله تعالى؟ فما حقه إلا العذاب الشديد، ولهذا قال تعالى: * (سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر) *، أي:
(٨٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 891 892 893 894 895 896 897 898 899 900 901 ... » »»