تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٨٨٥
للبشر، بل هو كلام دال على عظمة من تكلم به، وجلالة أوصافه، وكمال تربيته للخلق، وعلوه فوق عباده. وأيضا، فإن هذا ظن منهم بما لا يليق بالله وحكمته. * (ولو تقول علينا) *، وافترى * (بعض الأقاويل) * الكاذبة، * (لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) *، وهو عرق متصل بالقلب، إذا انقطع هلك منه الإنسان. فلو قدر أن الرسول حاشا وكلا تقول على الله، لعاجله بالعقوبة، وأخذه أخذ عزيز مقتدر، لأنه حكيم، قدير على كل شيء. فحكمته تقتضي أن لا يمهل الكاذب عليه، الذي يزعم أن الله أباح له دماء من خالفه وأموالهم، وأنه هو وأتباعه لهم النجاة، ومن خالفه فله الهلاك. فإذا كان الله قد أيد رسوله بالمعجزات، وبرهن على صدق ما جاء به بالآيات البينات،. ونصره على أعدائه، ومكنه من نواصيهم، فهو أكبر شهادة منه على رسالته. وقوله: * (فما منكم من أحد عنه حاجزين) *، أي: لو أهلكه، ما امتنع هو بنفسه، ولا قدر أحد أن يمنعه من عذاب الله. * (وإنه) *، أي: القرآن الكريم * (لتذكرة للمتقين) * يتذكرون به مصالح دينهم ودنياهم، فيعرفونها ويعملون عليها، يذكرهم العقائد الدينية، والأخلاق المرضية، والأحكام الشرعية، فيكونون من العلماء الربانيين، والعباد العارفين، والأئمة المهديين. * (وإنا لنعلم أن منكم مكذبين) * به، وهذا فيه تهديد، ووعيد للمكذبين، وأنه سيعاقبهم على تكذيبهم، بالعقوبة البليغة. * (وإنه لحسرة على الكافرين) * فإنهم لما كفروا به، ورأوا ما وعدهم به، تحسروا إذا لم يهتدوا به، ولم ينقادوا لأمره، ففاتهم الثواب، وحصلوا على أشد العذاب، وتقطعت بهم الأسباب. * (وإنه لحق اليقين) *، أي: أعلى مراتب العلم، فإن أعلى مراتب العلم: اليقين، وهو: العلم الثابت، الذي لا يتزلزل، ولا يزول. واليقين مراتبه ثلاثة، كل واحدة أعلى مما قبلها: أولها: علم اليقين، وهو: العلم المستفاد من الخبر. ثم عين اليقين، وهو: العلم المدرك بحاسة البصر. ثم حق اليقين، وهو العلم المدرك بحاسة الذوق والمباشرة. وهذا القرآن بهذا الوصف، فإن ما فيه من العلوم المؤيدة بالبراهين القطعية، وما فيه من الحقائق والمعارف الإيمانية، يحصل به لمن ذاقه حق اليقين. * (فسبح باسم ربك العظيم) *، أي: نزهه عما لا يليق بجلاله، وقدسه بذكر أوصاف جلاله، وجماله، وكماله. تم تفسير سورة الحاقة والحمد لله رب العالمين. سورة المعارج * (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) * يقول تعالى مبينا جهل المعاندين، واستعجالهم لعذاب الله، استهزاء وتعنتا وتعجيزا: * (سأل سائل) *، أي: دعا داع، واستفتح مستفتح * (بعذاب واقع للكافرين) * لاستحقاقهم له بكفرهم وعنادهم * (ليس له دافع من الله) *، أي: ليس لهذا العذاب، الذي استعجل به من استعجل، من متمردي المشركين، أحد يدفعه قبل نزوله، أو يرفعه بعد نزوله. وهذا حين دعا النضر بن الحارث القرشي أو غيره من المكذبين، فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم. فالعذاب لا بد أن يقع عليهم من الله، فإما أن يعجل لهم في الدنيا، وإما أن يدخر لهم في الآخرة. فلو عرفوا الله، وعرفوا عظمته، وسعة سلطانه، وكمال أسمائه وصفاته، لما استعجلوا ولاستسلموا وتأدبوا، ولهذا ذكر تعالى من عظمته، ما يضاد أقوالهم القبيحة، فقال: * (ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه) *، أي: ذو العلو والجلال، والعظمة، والتدبير لسائر الخلق، الذي تعرج إليه الملائكة، بما جعلها على تدبيره، وتعرج إليه الروح. وهذا اسم جنس، يشمل الأرواح كلها، برها وفاجرها، وهذا عند الوفاة. فأما الأبرار، فتعرج أرواحهم إلى الله، فيؤذن لها من سماء
(٨٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 880 881 882 883 884 885 886 887 888 889 890 ... » »»