لا تبقي من الشدة، ولا على المعذب شيئا، إلا وبلغته. * (لواحة للبشر) *، أي: تلوحهم وتصليهم في عذابها، وتقلقهم بشدة حرها وقرها. * (عليها تسعة عشر) * من الملائكة خزنة لها، غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. * (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) * وذلك لشدتهم وقوتهم. * (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا) *، يحتمل أن المراد: إلا لعذابهم وعقابهم في الآخرة، ولزيادة نكالهم فيها، والعذاب، يسمى فتنة، كما قال تعالى: * (يوم هم على النار يفتنون) *. ويحتمل أن المراد: أنا ما أخبرناكم بعدتهم، إلا لنعلم من يصدق ممن يكذب، ويدل على هذا، ما ذكره بعده في قوله: * (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا) *، فإن أهل الكتاب، إذا وافق ما عندهم وطابقه، ازداد يقينهم بالحق، والمؤمنون كلما أنزل الله آية، فآمنوا بها، وصدقوا، ازداد إيمانهم. * (ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون) *، أي: ليزول عنهم الريب والشك. وهذه مقاصد جليلة، يعتني بها أولو الألباب، وهي: السعي في اليقين، وزيادة الإيمان في كل وقت، وكل مسألة من مسائل الدين، ودفع الشكوك والأوهام، التي تعرض في مقابلة الحق، فجعل ما أنزله على رسوله، محصلا لهذه المقاصد الجليلة، ومميزا للصادقين من الكاذبين. ولهذا قال: * (وليقول الذين في قلوبهم مرض) *، أي: شك وشبهة ونفاق. * (والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا) * وهذا على وجه الحيرة والشك منهم، والكفر بآيات الله، وهذا وذاك، من هداية الله لمن يهديه، وإضلاله لمن يضله، ولهذا قال: * (كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) * فمن هداه الله، جعل ما أنزل على رسوله رحمة في حقه، وزيادة في إيمانه ودينه. ومن أضله، جعل ما أنزله على رسوله، زيادة شقاء عليه وحيرة، وظلمه في حقه، والواجب أن يتلقى ما أخبر الله به ورسوله بالتسليم. * (وما يعلم جنود ربك) * من الملائكة وغيرهم * (إلا هو) * فإذا كنتم جاهلين بجنوده، وأخبركم بها العليم الخبير، فعليكم أن تصدقوا خبره، من غير شك ولا ارتياب. * (وما هي إلا ذكرى للبشر) *، أي: وما هذه الموعظة والتذكار، مقصودا به العبث واللعب، وإنما المقصود به، أن يتذكر به البشر ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه. * (كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كلا بل لا يخافون الآخرة كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة) * * (كلا) * هنا بمعنى: حقا، أو بمعنى (ألا) الاستفتاحية. فأقسم تعالى بالقمر، وبالليل وقت إدباره، والنهار وقت إسفاره، لاشتمال المذكورات، على آيات الله العظيمة، الدالة على كمال قدره الله وحكمته، وسعة سلطانه، وعموم رحمته وإحاطة علمه. والمقسم عليه، قوله: * (إنها لإحدى الكبر) *، أي: إن النار لإحدى العظائم الطامة والأمور الهامة. فإذا أعلمناكم بها، وكنتم على بصيرة، من أمرها، فمن شاء منكم أن يتقدم، فيعمل بما يقربه إلى الله، ويدنيه من رضاه، ويزلفه من دار كرامته. أو يتأخر عما خلق له، وعما يحبه الله ويرضاه، فيعمل بالمعاصي، ويتقرب إلى جهنم، كما قال تعالى: * (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) * الآية. * (كل نفس بما كسبت) * من أفعال الشر وأعمال السوء، * (رهينة) * بها موثقة بسعيها، قد ألزم عنقها، وغل في رقبتها، واستوجبت به العذاب. * (إلا أصحاب اليمين) * فإنهم لم يرتهنوا، بل أطلقوا وفرحوا. * (في جنات يتساءلون عن المجرمين) *، أي: في جنات قد حصل لهم فيها جميع مطلوباتهم، وتمت لهم الراحة والطمأنينة، حتى أقبلوا يتساءلون، فأفضت بهم المحادثة، أن سألوا عن المجرمين: أي حال وصلوا إليها، وهل وجدوا ما وعدهم الله؟ فقال بعضهم لبعض: (هل أنتم مطلعون عليهم)، فاطلعوا عليهم في وسط الجحيم، يعذبون، فقالوا لهم: * (ما سلككم في سقر) *، أي: أي شيء أدخلكم فيها؟ وبأي ذنب استحققتموها؟ * (قالوا لم نك من
(٨٩٧)