من ينظره كل يوم بكرة وعشيا، ومنهم من ينظر كل جمعة مرة واحدة، فيتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وجماله الباهر، الذي ليس كمثله شيء، فإذا رأوه نسوا ما هم فيه من النعيم، وحصل لهم من اللذة والسرور، ما لا يمكن التعبير عنه، ونضرت وجوههم، فازدادوا جمالا إلى جمالهم، فنسأل الله الكريم أن يجعلنا منهم. وقال في المؤثرين العاجلة على الآجلة: * (وجوه يومئذ باسرة) *، أي: معبسة كدرة، خاشعة ذليلة * (تظن أن يفعل بها فاقرة) *، أي: عقوبة شديدة، وعذاب أليم، فلذلك تغيرت وجوههم وعبست. * (كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق * فلا صدق ولا صلى * ول كن كذب وتولى * ثم ذهب إلى أهله يتمطى * أولى لك فأولى * ثم أولى لك فأولى * أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحي ي الموتى) * يعظ تعالى عباده، بذكر المحتضر حال السياق، وأنه إذا بلغت روحه التراقي، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر. فحينئذ يشتد الكرب، ويطلب كل وسيلة وسبب، يظن أن يحصل به الشفاء والراحة. ولهذا قال: * (وقيل من راق) *، أي: من يرقيه، من الرقية، لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية، فتعلقوا بالأسباب الإلهية. ولكن القضاء والقدر، إذا حتم وجاء فلا مرد له. * (وظن أنه الفراق) * للدنيا. * (والتفت الساق بالساق) *، أي: اجتمعت الشدائد، والتفت، وعظم الأمر وصعب الكرب، وأريد أن تخرج الروح من البدن، الذي ألفته، ولم تزل معه، فتساق إلى الله تعالى، ليجازيها بأعمالها ويقررها بفعالها. فهذا الزجر الذي ذكره الله، يسوق القلوب إلى ما فيه نجاتها، ويزجرها عما فيه هلاكها. ولكن المعاند الذي لا تنفع فيه الآيات، لا يزال مستمرا على غيه، وكفره وعناده. * (فلا صدق) *، أي: لا آمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. * (ولا صلى ولكن كذب) * بالحق في مقابلة التصديق * (وتولى) * عن الأمر والنهي، هذا وهو مطمئن قلبه، غير خائف من ربه. * (ثم ذهب إلى أهله يتمطى) *، أي: ليس على باله شيء. ثم ذكر الإنسان بخلقه الأول، فقال: * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) *، أي: مهملا، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب؟ هذا حسبان باطل، وظن بالله غير ما يليق بحكمته. * (ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان) * بعد المنى * (علقة) * أي: دما * (فخلق) * الله منها الحيوان * (فسوى) * أي: أتقنه وأحكمه. * (فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك) *، أي: الذي خلق الإنسان وطوره إلى هذه الأطوار المختلفة * ( بقادر على أن يحيي الموتى) *، بلى إنه على كل شيء قدير. تم تفسير سورة القيامة. سورة الإنسان * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) * ذكر الله في هذه السورة، أول حال الإنسان ومنتهاها ومتوسطها. فذكر أنه مر عليه * (حين من الدهر) * طويل، وهو الذي قبل وجوده، وهو معدوم * (لم يكن شيئا مذكورا) *. ثم لما أراد خلقه خلق أباه آدم من طين، ثم جعل نسله متسلسلا * (من نطفة أمشاج) *، أي: ماء مهين مستقذر * (نبتليه) * بذلك، لنعلم هل يرى حاله الأولى، ويتفطن لها أم ينساها وتغره نفسه؟ فأنشأه الله، وخلق له القوى الظاهرة والباطنة، كالسمع والبصر، وسائر الأعضاء فأتمها له وجعلها سالمة، يتمكن بها من تحصيل مقاصده. ثم أرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وهداه الطريق الموصلة
(٩٠٠)