المصلين * ولم نك نطعم المسكين) * فلا إخلاص للمعبود ولا إحسان، ولا نفع للخلق المحتاجين. * (وكنا نخوض مع الخائضين) *، أي: نخوض بالباطل، ونجادل به الحق. * (وكنا نكذب بيوم الدين) *، هذه آثار الخوض بالباطل، وهو التكذيب بالحق، ومن أحق الحق، يوم الدين، الذي هو محل الجزاء على الأعمال، وظهور ملك الله وحكمه العدل لسائر الخلق. فاستمر عملنا على هذا المذهب الباطل * (حتى أتانا اليقين) *، أي: الموت: فلما ماتوا على الكفر تعذرت حينئذ عليهم الحيل، وانسد في وجوههم باب الأمل. * (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) * لأنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى، وهؤلاء لا يرضى الله أعمالهم. فلما بين الله مآل المخالفين، وبين ما يفعل بهم، عطف على الموجودين بالعتاب واللوم، فقال: * (فما لهم عن التذكرة معرضين) *، أي: صادين غافلين عنها. * (كأنهم) * في نفرتهم الشديد منها، * (حمر مستنفرة) *، أي: حمر وحش، نفرت فنفر بعضها بعضا، فزاد عدوها. * (فرت من قسورة) *، أي: من صائد ورام يريدها، أو من أسد ونحوه. وهذا من أعظم ما يكون من النفور عن الحق، ومع هذا النفور والإعراض، يدعون الدعاوى الكبار. * (يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة) * نازلة عليه من المساء، يزعم أنه لا ينقاد للحق إلا بذلك، وقد كذبوا، فإنهم لو جاءتهم كل آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، لأنهم جاءتهم الآيات البينات التي تبين الحق وتوضحه، فلو كان فيهم خير لآمنوا. ولهذا قال: * (كلا) *، أي: لا نعطيهم ما طلبوا، وهم ما قصدوا بذلك إلا التعجيز. * (بل لا يخافون الآخرة) * فلو كانوا يخافونها، لما جرى منهم ما جرى. * (كلا إنه تذكرة) * الضمير إما أن يعود على هذه السورة، أو على ما اشتملت عليه من هذه الموعظة. * (فمن شاء ذكره) * لأنه قد بين له السبيل، ووضع له الدليل. * (وما يذكرون إلا أن يشاء الله) * فإن مشيئة الله، نافذة عامة، لا يخرج عنها حادث قليل ولا كثير، ففيها رد على القدرية، الذين لا يدخلون أفعال العباد تحت مشيئة الله، والجبرية الذين يزعمون أنه ليس للعبد مشيئة، ولا فعل حقيقة، وإنما هو مجبور على أفعاله. فأثبت الله تعالى للعبد مشيئته حقيقة وفعلا، وجعل ذلك تابعا لمشيئته. * (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) *، أي: هو أهل أن يتقى ويعبد، لأنه الإله الذي لا تنبغي العبادة إلا له، وأهل أن يغفر لمن اتقاه، واتبع رضاه. تم تفسير سورة المدثر والله الحمد والمنة. سورة القيامة * (لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة * أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه * بلى قادرين على أن نسوي بنانه * بل يريد الإنسان ليفجر أمامه * يسأل أيان يوم القيامة) * ليست (لا) ههنا نافية ولا زائدة، وإنما أتى بها للاستفتاح والاهتمام بما بعدها، ولكثرة الإتيان بها مع اليمين، لا يستغرب الاستفتاح بها، وإن لم تكن في الأصل موضوعة للاستفتاح. فالمقسم به في هذا الموضع، هو المقسم عليه، وهو: البعث بعد الموت، وقيام الناس من قبورهم، ثم وقوفهم ينتظرون ما يحكم به الرب عليهم. * (ولا أقسم بالنفس اللوامة) * وهي جميع النفوس الخيرة والفاجرة، سميت (لوامة) لكثيرة تلونها وترددها، وعدم ثبوتها على حالة من أحوالها، ولأنها عند الموت تلوم صاحبها على ما فعلت، بل نفس المؤمن تلوم صاحبها في الدنيا، على ما حصل منه، من تفريط وتقصير، في حق من الحقوق، أو غفلة. فجمع بين الإقسام بالجزاء، وعلى الجزاء، وبين مستحق الجزاء. ثم أخبر مع هذا، أن بعض المعاندين يكذبون بيوم القيامة، فقال: * (أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه) * بعد الموت، كما قال: * (قال من يحيى العظام وهي رميم) *؟ فاستبعد من جهله وعدوانه، قدرة الله على خلق عظامه التي هي عماد البدن، فرد عليه بقوله: * (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) *، أي: أطراف أصابعه وعظامه، وذلك مستلزم لخلق جميع أجزاء البدن، لأنها إذا وجدت الأنامل والبنان، فقد تمت خلقة الجسد، وليس إنكاره لقدرة الله تعالى قصورا بالدليل الدال على ذلك، وإنما وقع ذلك منه، لأن إرادته وقصده، التكذيب بما أمامه من البعث. والفجور: الكذب مع التعمد.
(٨٩٨)