رصدا) *، أي: مرصدا له، معدا لإتلاقه وإحراقه، أي: وهذا له شأن عظيم، ونبأ جسيم. وجزموا أن الله تعالى، أراد أن يحدث في الأرض حادثا كبيرا، من خير أو شر، فلهذا قالوا: * (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا) *، أي: لا بد من هذا أو هذا، لأنهم رأوا ومر تغير عليهم تغيرا أنكروه، فعرفوا بفطنتهم، أن هذا الأمر يريده الله، ويحدثه في الأرض. وفي هذا بيان لأدبهم، إذ أضافوا الخير إلى الله تعالى، والشر حذفوا فاعله تأدبا. * (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك) *، أي: فساق وفجار وكفار. * (كنا طرائق قددا) *، أي: فرقا متنوعة، وأهواء متفرقة، كل حزب بما لديهم فرحون. * (وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا) *، أي: وأنا في وقتنا الآن تبين لنا كمال قدرة الله، وكمال عجزنا، وأن نواصينا بيد الله، فلن نعجزه في الأرض، ولن نعجزه إن هربنا، وسعينا بأسباب الفرار والخروج عن قدرته، لا ملجأ منه، إلا إليه. * (وأنا لما سمعنا الهدى) * وهو القرآن الكريم، الهادي إلى الصراط المستقيم، وعرفنا هدايته وإرشاده، أثر في قلوبنا و * (آمنا به) *. ثم ذكروا ما يرغب المؤمن فقالوا: * (فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا) *، أي: من آمن به إيمانا صادقا، فلا عليه نقص، ولا أذى يلحقه، وإذا سلم من الشر، حصل له الخير، فالإيمان سبب داع إلى كل خير، وانتفاء كل شر. * (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون) *، أي: الجائرون، العادلون، عن الصراط المستقيم. * (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) *، أي: أصابوا طريق الرشد، الموصل لهم إلى الجنة ونعيمها. * (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) * وذلك جزاء على أعمالهم، لا ظلم من الله لهم. * (وأن لو استقاموا على الطريقة) * (المثلى) * (لأسقيناهم ماء غدقا) *، أي: هنيئا مريئا، ولم يمنعهم من ذلك، إلا ظلمهم وعدوانهم. * (17) * (لنفتنهم فيه) *، أي: لنختبرهم ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب. * (ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا) *، أي: من أعرض عن ذكر الله، الذي هو كتابه، فلم يتبعه، وينقد له، بل لها عنه وغفل، يسلكه عذابا صعدا، أي: بليغا شديدا. * (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) *، أي: لا دعاء عبادة، ولا دعاء مسألة، فإن المساجد، التي هي أعظم محال للعبادة، مبنية على الإخلاص لله، والخضوع لعظمته، والاستكانة لعزته. * (وأنه لما قام عبد الله يدعوه) *، أي: يسأله ويتعبد له، ويقرأ القرآن. * (كادوا) *، أي: الجن من تكاثرهم عليه * (يكونون عليه لبدا) *، أي: متلبدين متراكمين، حرصا على ما جاء به من الهدى. * (قل) * لهم يا أيها الرسول، مبينا حقيقة ما تدعو إليه: * (إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا) *، أي: أوحده، وحده لا شريك له، وأخلع ما دونه من الأنداد والأوثان، وكل ما يتخذه المشركون من دونه. * (قل إني لا أملك لكم ضرا ولا شدا) *، فإني عبد ليس لي من الأمر والتصرف شيء. * (قل إني لن يجيرني من الله أحد) * أي: لا أحد أستجير به ينقذني من عذاب الله. وإذا كان الرسول الذي هو أكمل الخلق، لا يملك ضرا ولا رشدا، ولا يمنع نفسه من الله شيئا، إن أراده بسوء، فغيره من الخلق، من باب أولى وأحرى. * (ولن أجد من دونه ملتحدا) *، أي: ملجأ ومنتصرا * (إلا بلاغا من الله ورسالاته) *، أي: ليس لي مزية على الناس، إلا أن الله خصني بإبلاغ رسالاته ودعوة خلقه إليه، وبذلك تقوم الحجة على الناس. * (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) *، وهذا المراد به المعصية الكفرية، كما قيدتها النصوص الأخر المحكمة. وأما مجرد المعصية، فإنه لا يوجب الخلود في النار، كما دلت على ذلك آيات القرآن، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه سلف الأمة، وأئمة هذه الآمة. * (حتى إذا رأوا ما يوعدون) *، أي: شاهدوه عيانا، وجزموا أنه واقع بهم. * (فسيعلمون) * في ذلك الوقت حقيقة المعرفة * (من أضعف ناصرا وأقل عددا) * حين لا ينصرهم غيرهم، ولا أنفسهم ينتصرون، وإذ يحشرون فرادى كما خلقوا أول مرة. * (قل) * لهم إن سألوك فقالوا: * (متى هذا الوعد) *؟ * (إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا) *، أي: غاية طويلة، فعلم ذلك، عند الله. * (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا) * من الخلق، بل انفرد بعلم الضمائر والأسرار، والغيوب. * (إلا
(٨٩١)